المدونة

اخيرا شاهدت “جنة الشياطين” للراحل مبكرا اسامة فوزي في قاعة عرض سينمائي في دار اوبرا القاهرة، بعد انتاجه بنحو عشرين سنة. كيف تحمس النجم محمود حميدة ليمثل دورا كاملا في فيلم وينتجه بنفسه وهو جثة هامدة طوال الفيلم؟ لا شىء سوى ربما انه يحب السينما بشغف وكان واثقا في فوزي الذي نجح فيلمه”عفاريت الاسفلت” فنيا قبلها بعدة سنوات. كيف كانت لدى فوزي وحميدة الجرأة لتقديم عدة ممثلين جدد منهم عمرو واكد في اول فيلم لهم؟ بالاضافة لماجد الكدواني وخالد صالح في دور هامشي او كومبارس. وبدون هذه الجرأة لم نكن لنشهد هذه المسخرة القاتمة على حياة واخلاقيات وخواء فئة معينة من الطبقة الوسطى المصرية التي تركها الزوج منير رسمي ليعيش مع موامس وقوادين ولصوص صغار ويصبح مقامر درجة تالتة وقواد قراري (وجثة في الفيلم بعد ان نراه ميتا من اول مشهد).

الفيلم الذي جاء في عز جمود عصر مبارك، في عام ١٩٩٩، وانطلاق الامن من اي قيود مع “نجاح” سياسة الحديد والنار والضرب في المليان ضد الجهاديين المسلحين والعائدين من افغانستان والبانيا حتى كانت خاتمتهم المسرحية الدموية في الهجوم على معبد حتشبسوت في ١٩٩٨. مصر التي نحب تصدير صورتها لنفسنا، مصر الام المحترمة وزوج البنت الموظف الزهقان بس المحترم والخال اللي شكله يساري سابق زعلان بس متواطىء ومحترم والاخت القرفانة من اخوها اللي ساب عيشة محترمة وبقى خامورجي وقواد ومقامر والبنت التائهة (الوحيدة غير المحترمة والتي تدخن طوال الوقت وتطلع لسانها لجثة ابيها الميت ثم تبكيه ثم تفرح لان رفاق ابيها الصيع سرقوا جثته من اجل سهرة اخيرة. للحصول على رأيه، رأي طبل وهو الاسم الذي اختاره بعد ان ترك الحياة “المحترمة” بشان من سيرث المومس الرئيسية التي كانت تعمل لصالحه وتحبه.

ساعات يحس الواحد ان ما فيش حل مع الجمود المتعفن غير كرسي ابن كلب في الكلوب اللي الناس قاعدة مستنية منه النور رغم ان لمباته كلها محروقة وبيسرب غاز خانق والكل قاعد مستني الفرج. ساعات تحس ان الصبر مش مفتاح الفرج ولكن الكرسي في الكلوب او تكسير القهوة على اللي فيها زي ما حصل في المشهد الاولاني للفيلم. الف رحمة ونور على فوزي، المخرج اللي مات قبل ما يكمل ستين سنة، والصبر والذكرى الطيبة لاصحابه وحبايبه. ده جيل طلع افلام حلوة وكتير منهم مشيوا بدري زي الكاشف (٥٠ سنة) والطيب (٤٨ سنة).

كاتب، صحفي، مصري، بتاع حقوق انسان، وموظف اممي سابق، ومستشار في الاعلام والتجهيل والحفر والتنزيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *