الولايات المتحدة والربيع العربي: الرقص على رمال متحركة (الحلقة ٦ من ٩)

Facebook
Twitter
LinkedIn

(نشرت صحيفة التحرير نسخة سابقة من هذه المقالة في ١٠ ديسمبر ٢٠١٣ وللأسف لم يعد هناك ارشيف الكتروني متاح لهذه الصحيفة)

منذ توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في عام ١٩٧٩ يُنظر إلى الجيش المصري في واشنطن على أنه لاعب بارز في الاستقرار الاقليمي وحليف مهم. حافظ الجيش على استمرارية السلام مع اسرائيل بينما زادت نسبة المعدات والاسلحة والنظم الأمريكية في عتاد الجيش المصري مع مرور الوقت مقارنة بالاسلحة الروسية او غيرها مما يجعل النظم العسكرية المصرية قابلة للتشغيل المتزامن والاتساق مع مثيلتها الأمريكية في أي مناورات او عمليات عسكرية مشتركة (اتضحت فائدة هذا في حرب الخليج في ١٩٩١). وتعمقت علاقات قوية على صعيد التسليح والتدريب والتنظيم وتبادل الخبرات بين الجيشين المصري والأمريكي. واضافة للعلاقات العسكرية المتميزة (التدريبات المشتركة والمشاركة في حرب الخليج) فان لمصر اهمية عسكرية اضافية للولايات المتحدة تشمل اولوية العبور في قناة السويس لقطع البحرية الأمريكية وحق عبور الطائرات العسكرية في الاجواء المصرية ودور مصر في تهدئة الاوضاع مع حماس التي تسيطر على قطاع غزة منذ عام ٢٠٠٦ (ولعبت مصر هذه الادوار دون توقف في عصور مبارك والمجلس العسكري ومرسي ولا توجد أي تقارير عن اي تغير حدث فيها مؤخراً.) وبالتالي فان التسهيلات المصرية تلعب دورا مهما في مساعدة القوة العسكرية الأمريكية في الانتشار والوصول السريع لأهدافها. ويقول باحث في الكونجرس في حوار في واشنطن في ٢٠١٣ انه على مدى الأعوام العشرة السابقة “كان لدينا مائة الف عسكري في العراق وأفغانستان، وكان علينا نقل جنود ومعدات إلى ومن المنطقة، ولذا كانت اولوية العبور في قناة السويس وحقوق الطيران في الاجواء المصرية مهمة للغاية. فكر لثانيتين كم ان هذين التسهيلين محوريين لو قررت واشنطن مهاجمة طهران.” (دار هذا الحوار قبل تراوح العلاقات الامريكية الايرانية من إنفراجة بسبب اتفاق الرئيس أوباما مع ايران في يوليو ٢٠١٥ حول الرقابة على المنشأت النووية الايرانية ثم تصعيد وتوتر شديد بعد مايو ٢٠١٨ عندما الغي الرئيس ترامب الاتفاقية وتزايد التصعيد نحو احتمالات حرب في منتصف ٢٠١٩).

وفي وقت الانفراجة ووقت التوتر بين واشنطن وطهران على حد سواء بات واضحا كيف تآكل لحد ما نفوذ مصر نسبيا لصالح عدة دول تعدى نفوذها الأقليمي مصر اقتصاديا او عسكريا او سياسيا (او على صعيدين او اكثر) ومنها تركيا والسعودية واسرائيل وتنضم لهم تدريجيا ايران حتى من دون اتفاق حول مستقبل برنامجها النووي.

وعلى مدى الأربعين عاماً الماضية مر الجيش المصري بتحول هائل من مؤسسة تستعمل اسلحة روسية، أو من المعسكر الشرقي عموماً، وتتبنى عقيدة عسكرية معينة إلى الاعتماد أكثر على العتاد والسلاح الأمريكي كما قال باحث الكونجرس. “من المفيد ان تكون مصر الى جانبك ولكن من المهم للغاية ألا تكون في صف اعدائك … وليس مفيدا ان تكون مصر قادرة على بسط قوتها على منطقة الجوار بمفردها.” ورغم ضغوط سياسية في الاغلب من الكونجرس بعد التحولات السياسية في ٢٠١٣ تبدو المؤسسة العسكرية الأمريكية عازمة ومهتمة بالاستمرار في دعم الجيش المصري بعد ان ساهمت وشاركت في تحوله على مدى اربعة عقود وصارت قياداته العليا لأول مرة في تاريخه ممن تلقوا تدريبا عالي المستوى في الولايات المتحدة. ويسافر مئات الضباط المصريين الى الولايات المتحدة كل عام لعدة اسابيع لتلقي كورسات تدريبية او للاشراف على نقل شحنات اسلحة الامريكية مدرجة تحت المعونات العسكرية إلى مصر. ولذا بالنسبة للبنتاجون كان الإستثمار في المؤسسة العسكرية المصرية وضمان انها ستعبر دون مشاكل بهذه العاصفة السياسية التي إجتاحت البلاد هو أهم هاجس خلال الأيام العشرة الأولي من فبراير ٢٠١١. ويقول الباحث الامريكي المتخصص روبرت سبرنجبورج في تقرير نشره معهد كارنيجي في فبراير ٢٠١٩ ان القوات المسلحة المصرية “تشهد تطوراً ملحوظاً … في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي. ويعكس هذا اعتبارات عدة: التهديدات الأمنية المحلية والإقليمية المكثّفة، والضغط التي تبذله واشنطن من أجل إعادة توجيه وتحسين أداء الجيش، والدعم الخارجي الإضافي للجيش المصري، خاصة ذلك المقدّم من روسيا وفرنسا … ويعمل السيسي على الدفع لإدخال تغييرات طال انتظارها على عقيدة الجيش المصري، وعملية شرائه للأسلحة، وقابليته للعمل المشترك مع القوات المتحالف معها.”

ولكن لنعد ثماني سنوات للوراء.

  لم يكن الجيش نفسه يريد ان ينهار نظام مبارك بالكامل في اوائل ٢٠١١. هناك مصالح كثيرة قد يخسرها الجيش الذي يسيطر، وفقا لديفيد سانجر وزينب ابو المجد واخرين، على اراض شاسعة في انحاء البلاد ومصانع وفنادق ومنتجعات ومصائد اسماك كما يعمل عشرات من كبار العسكريين المتقاعدين في مناصب سياسية مهمة كمحافظين او مستشارين امنيين في القطاع الخاص او الحكومي. ويتلقى الجيش منذ نهاية السبعينيات ٣ر١ مليار دولار سنويا من الولايات المتحدة يذهب القسم الأعظم منها لشراء اسلحة أمريكية كما يتضح من البيانات الامريكية المنشورة لمبيعات الاسلحة الخارجية. وبات من الواضح ان لدي الجيش ملاءة مالية جيدة سمحت له عندما كانت احتياطيات النقد الاجنبي الحكومية تتبخر في عام ٢٠١٢ أن يفتح خزائنه ويقرض الحكومة مليار دولار وفقا لسانجر. وفي ٢٠١٣-٢٠١٤، وفقا لتقارير صحفية، دفع الجيش (أو على الأقل وعد بدفع) اقساط متأخرة على ملاك سيارات اجرة وديون مستحقة على مزارعين ..، الخ. هناك ادعاءات ان الجيش المصري يسيطر على ٢٥ الى ٤٠ في المئة من الاقتصاد المصرية ولكنها ادعاءات مبالغ فيها بشدة ومشكوك في طريقة حسابها قياسا الى اجمالى الناتج القومي المصري، كما ان تعريف السيطرة نفسه مبهم بعض الشىء.  ويغفل كثيرون ممن ينظرون الى المساعدات العسكرية الأمريكية كأداة ضغط على الجيش المصري انها في نهاية المطاف لا تزيد عن ٨ر٢ في المئة من اجمالي ايرادات الدولة (ارقام عام ٢٠١١) المصرية.

إذن كان الأمر واضحا لدى معظم صانعي السياسة الخارجية الأمريكية انه مهما حدث من تغير في مصر فيجب الحفاظ على سلامة المؤسسة العسكرية المصرية من اجل استقرار مصر ومن اجل المصالح الأمريكية. ومن ناحية اخرى تخوفت واشنطن انه إذا سقط مبارك ونظامه فسيتطلب الانتقال اللاحق واعادة البناء والاصلاح مليارات الدولارات التي لا يمكن للولايات المتحدة تقديمها بسبب ظروف الإنكماش الإقتصادي والضغوط من الحزب الجمهوري لتخفيض الموازنة العامة للبرامج المحلية – ناهيك عن البرامج الخارجية. وبدأت واشنطن في التفكير فيمن سيتحمل عبء الانتقال الاقتصادي في مصر. وفكرت واشنطن ان الرياض سيتعين عليها في وقت ما دفع هذه الفواتير كما قالت كيم غطاس في كتابها. وجاء التفكير في السعودية حيث ان احتياطياتها المالية تتعدي الستمائة مليار دولار محتلة الموقع الثالث على مستوى العالم من حيث الاحتياطيات المالية. وفعلا في 2013 قدمت السعودية والامارات والكويت مجتمعين حزمة من 12 مليار دولار قروضا ومنح للقاهرة بعد اسقاط حكومة مرسي الأخوانية. وقبل ان تفتح السعودية والامارات والكويت خزائنهم، كانت قطر هي الممول الخارجي الرئيسي (وهي ايضا حليف مقرب للولايات المتحدة) وقدمت حوالي ثماني مليارات دولار قروضا للقاهرة.

كان لحقوق الانسان والديمقراطية دائماً اثرا هامشياً على علاقات الولايات المتحدة بمصر، وخاصة من وجهة نظر الإدارة على عكس الكونجرس الذي يهتم اكثر بهذه المسائل لأسباب معقدة. وفي ايامه الاخيرة قبل ان يترك منصبه في وزارة الخارجية الأمريكية مساعدا لشؤون الشرق الأدنى في نوفمبر ١٩٩٩ التقي مارتن انديك معي ومع مجموعة من الصحفيين العرب. وقال انديك ان القلق بشأن أوضاع حقوق الانسان في مصر (والعالم العربي عموماً) كان دائما على جدول اعمال اللقاءات مع كبار المسؤولين المصريين ولكن كان هناك عادة “عدة مواضيع اخرى تسبق في الأولوية وكانت المناقشات تستغرق وقتا طويلاً حتى ينتهي الوقت المخصص للاجتماعات قبل ان نبحث مسائل الديمقراطية وحقوق الانسان.” وبعد ١٤ عاما من هذا اللقاء سمعت نفس الكلام تقريبا من مسؤول في الخارجية الأمريكية تحدث مثل معظم المسؤولين في الادارة بعد ان طلب عدم ذكر اسمه. 

وتقول مسؤولة سابقة خرجت من الادارة الأمريكية لمركز ابحاث في واشنطن: “الولايات المتحدة تفكر في اي نوع من قضايا حقوق الانسان يمكنها ان تتحدث عنها الآن. هل نركز عن تصاعد التحرش بالنساء والاعتداءات الجنسية الطابع؟ هل هذه مسائل استراتيجية؟ هل لو اقرت مصر قانونا للجمعيات الأهلية يقيد نشاطها ويخنقها ستكون هذه مسألة مهمة ومشكلة كبيرة في نظر عدة اشخاص في الادارة ولكنهم اقلية. لا يوجد كثيرون في الادارة يفكرون في تبعات قوانين مثل هذا خلال عشر سنوات وانه لو لو لم تدعم التحول الديمقراطي باعلام حر ومؤسسة قضائية مستقلة ومجتمع مدني نشط … ستتهاوي التجربة الديمقراطية.” ودار حوارنا في مكتبها القريب من البيت الأبيض في يوليو ٢٠١٣ او قبل أسابيع من مقتل مئات من المحتجين من الاخوان المسلمين في يوم واحد بعد ان قامت قوات الأمن باستعمال قوة مفرطة للغاية في منتصف اغسطس لفض اعتصامات رابعة والنهضة او صدور قوانين التظاهر في نهاية ذلك العام الدامي واستهلال سنوات من القمع واغلاق المجال العام. ولكن الحكومة الأمريكية اكتفت احيانا بتصريحات صحفية غير حادة في معظم الوقت. 

وعموماً ما زال التغير في سياسة الولايات المتحدة من حيث الاهتمام بحقوق الانسان مقتصرا في اغلبه على التصريحات إلا اذا كانت الحكومة مجبرة على اتخاذ قرارات والضغط بشدة من اجل مواطنين أمريكيين محتجزين او مهددين أو استجابة لقوانين أمريكية (مثل قطع أو تعليق التمويل لحكومات عسكرية انقلبت على حكومات منتخبة مثلا) او لم يكن هناك ثمن ضخم لمواقفها الداعمة للديمقراطية وحقوق الانسان. ولا يعني هذا ان واشنطن لا تحصل على تنازلات من القاهرة في لعبة شد الحبل هذه. فقد علقت إدارة ترامب مثلا نحو ١٩٥ مليون دولار من المساعدات في عام ٢٠١٧ في احتجاج غير علني على تمرير قانون صارم في مصر كفيل بشل عمل الجمعيات الاهلية ولكن تم رفع التعليق في يوليو ٢٠١٨ ثم اعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي ان الحكومة ستعيد النظر في هذا القانون في نوفمبر ٢٠١٨ . ويبدو ان هذا القانون ومعاملة المواطنين مزدوجي الجنسية وقضية مفتوحة بشأن الجمعيات الحقوقية المصرية هي خطوط التوتر الحمراء بين واشنطن والقاهرة والتي يفضل الطرفان ابقائها معلقة وعدم التورط في أي مشاكل بشأنها. وتقول مسؤولة سابقة في الخارجية الأمريكية: “لا توجد أي عصا حقيقية موجهة لمصر ولا يوجد كثيرا من الجزر على أي حال … لم تتغير سياساتنا في المساعدات كثيرا تجاه مصر كما لم تتغير المؤسسات التي تقدم هذه المساعدات. وتسعي مؤسسات أمريكية لدعم حقوق الانسان… ولكن الربيع العربي جاء في اسوأ فترة اقتصادية تواجه واشنطن منذ سنوات طويلة، حيث لا يتوفر لدى الحكومة الأمريكية المال اللازم لتقديم أي مساعدات إضافية.”

وإضافة إلى ثنائية المصالح والقيم يبقي في واشنطن اعتقاد شبه سائد أن الثقافة السياسية في مصر يصعب تغييرها من الداخل ويستحيل تغييرها من الخارج. ويقول باحث في الكونجرس التقيت معه في صيف ٢٠١٢: “لا يمكنك تغيير مصر بشكل واسع وعليك العمل مع الوضع القائم. الجيش أقوي مؤسسة والقوة الباقية كما اثبتت الثورة. وهناك طبعا أمل في أنه في يوم ما ستتغير مصر ولن تظل هكذا ابداً.” ويذكرنا هذا مرة اخرى مقولة الراحل عمر سليمان، مدير المخابرات العامة السابق، حول ان مصر ليست جاهزة بعد للديمقراطية. وموقف الباحث الامريكي ورجل الاستخبارات المصري العتيد يرتكزان على ادبيات كثيرة مفادها ان غياب الديمقراطية عن الشرق الوسط يعود لعوامل ثقافية وخاصة الدين. ويقلب تيموثي ميتشيل هذه المقولة رأساً على عقب ويروي في كتابه “ديمقراطية الكاربون” كيف ان الولايات المتحدة فضلت التعامل مع الاجنحة الإسلامية الأشد محافظة وقوّت من عودهم على مدي عقود متغاضية عن اثرهم السلبي على انعدام التطور الديمقراطي والانتهاكات الممنهجة لحقوق الانسان. كان وجود هذه الجماعات دائما دعما قويا لإضفاء شرعية على سلطة اسر حاكمة في الخليج وخاصة السعودية وصلت للسلطة مثل غيرها بقوة السلاح. وكان القيد الأساسي على حركة هذه الجماعات او الأجنحة الأسلامية المحافظة، مثل الوهابيين في السعودية مثلا، هو أن يقتصر نشاطهم على التحكم في البشر ومسلكهم وملبسهم، وخاصة النساء داخل حدود هذه البلاد، والوقوف بصلابة وشراسة ضد اي محاولة لنشر الفكر اليساري او الوطني المعادي للمشروع الرأسمالي (فتقف السعودية ضد ناصر وضد اليمن الجنوبي .. الخ.)

وبمعني اخر فان قسما كبيرا من صانعي السياسة الخارجية الأمريكية من الاربعينيات وربما حتى الآن، في نظر ميتشيل، تبنى وجهة نظر تعتمد على ان هناك ثقافة عربية جامدة مستمدة من الإسلام وقرروا تدعيم وتقوية النظم السياسية المحافظة المعادية للديمقراطية ودعم استخدام الجماعات الإسلامية السلفية (غير الجهادية) في اضفاء شرعية على هذه النظم الحليفة.  وفي العقدين الاخير ومع تأكد سقوط المعسكر الاشتراكي تبين ان الاتجاهات الاسلامية شديدة المحافظة سياسيا يتولد عنها اعمال عنف مجنونة تبدت فيما قامت به القاعدة ومن بعدها تنظيم الدولة الإسلامية، وفي هذا الضوء يمكن فهم مساعي ولي العهد الجديد محمد بن سلمان في لجم الوهابية السلفية وشرطتها الدينية، والعمل بالترغيب والترهيب على إعادة توجيه المنظومة الدعائية الإسلامية، وخاصة ودورها في الضبط الاجتماعي وخلق الشرعية السياسية، وفتح مجالات الترفيه العامة ومنح النساء حق قيادة السيارات. وهذا تطور درامي مقارنة بما كانت السعودية تقوم به تحت حكم عبدالله وبدايات سلمان من تغييرات تجميلية في مجالات تعليم الفتيات او اقامة مجلس شورى دون سلطات حقيقية.  ليست المسألة في الأغلب ان الولايات المتحدة تخشى الديمقراطية الانتخابية لانها ستجلب للسلطة اسلاميين يتبنون قيماً محافظة ولكن الولايات المتحدة كانت تخشى نوعاً معيناً من الإسلاميين يشبهون القوميين واليساريين من قبلهم في انهم قد يتحدون مصالح الولايات المتحدة أو على الأقل يطالبون بعلاقات متكافئة معها.

انعقدت اجتماعات عديدة للوزارات والوكالات والهيئات الامريكية المعنية برسم السياسة الخارجية في واشنطن في اواخر يناير واوائل فبرايأ ٢٠١١ لتبحث ما اذا كان يتعين على مبارك الرحيل — وخلال ايام كانت المناقشات تركز أكثر على موعد وكيفية الرحيل. وكان اوباما ووزير دفاعه جيتس ووزيرة خارجيته كلينتون اكثر تقليدية وبطئاً. وحذرت كلينتون مراراً من “التحرك بسرعة بشكل تبدو معه الأمور وكأننا نتخلى عن حلفائنا.” وقالت كلينتون ان الخيار لم يكن بين الإصلاح او الاستقرار ولكن بين الإصلاح او الفوضى “والآن تدق الفوضى على الباب ومن المهم ان نديرها بشكل ملائم.”

كانت السياسة الخارجية الأمريكية حيال مصر في 2011 وقبلها أسيرة المعطيات المتضاربة وهو تضارب يأتي أحياناً من المنظور المستخدم في تحليل الأوضاع في مصر. وكانت هناك من هذه الجوانب العديدة ثلاث اكثر اهمية هي: (1) جانب المصالح الاستراتيجية التي تحرسها او ترعاها مصر،(2) رغبة الشعب المصري في حكم يمنحه ما يحتاجه من عدالة اجتماعية وتنمية وكرامة وهي رغبة تتناغم مع القيم الأمريكية (3) اعتقاد عدد من الباحثين والسياسيين والبيروقراطيين الأمريكيين ان الثقافة السائدة في مصر (والعالم العربي) لا تتوافق مع الديمقراطية او الليبرالية.

وكان صانعو السياسة الخارجية الأمريكية يرقصون بين هذه المعطيات المتضاربة في ساحة من الرمال المتحركة تبتلع من يركز على جانب واحد دون الاخر أو يقلل من اهمية فريق دون الأخ منذ اندلعت التظاهرات في القاهرة وغيرها من المدن المصرية في 25 يناير وحتى اول فبراير عندما وصلت الادارة الامريكية لموقف مبدئي يستلزم ان يقوم مبارك “بانتقال منظم … على الفور” وهو تصريح دبلوماسي أدلي به أوباما وفهمته القاهرة والرياض وتل ابيب على انه تخلي واضح لواشنطن عن حليف قوي في القاهرة. واندلعت حمي من الاتصالات والضغوط الاقليمية دفاعا عن مبارك كان أشدها من اسرائيل والسعودية.

تابعني

القائمة البريدية

أرشيف المدونة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *