(نشرت النسخة الاصلية للمرة الاولى في صحيفة التحرير في أول ديسمبر ٢٠١٣)
بعد شهور قليلة من اعلان الولايات المتحدة ان القدس المحتلة عاصمة إسرائيل، أعلن الرئيس دونالد ترامب أن مرتفعات الجولان السورية صارت أيضا جزء من إسرائيل. ترامب يتشدق مثلما فعل من قبل ويكرر حجج السياسي المخادع وشبيهه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول ان الخطوة الامريكية ما هي إلا إقرار لأمر واقع. ولكن لماذا الآن ولماذا قبل أيام قليلة من زيارة مقررة سيقوم بها نتنياهو للبيت الأبيض؟ سيكون لقرار ترامب قيمة قانونية ما بشأن شرعية ومشروعية احتفاظ إسرائيل بالجولان ولكن أثره الأهم، وربما سبب صدوره المباشر، هو دعم نتنياهو وفريقه اليميني في الانتخابات التشريعية الإسرائيلية المقررة خلال أسابيع. ولكن لا تخدعكم عشوائية ترامب وتويتاته بشأن تعقيدات ودوافع صنع السياسات الخارجية الامريكية طويلة الأمد وواسعة التأثير. يفضل صحفيون ومحللون تلفزيونيون تفسير السياسات الخارجية الامريكية بالتركيز على شخصية ساكن البيت الأبيض، فيتحدثون مطولا عن جنون ترامب وشطحاته، وهدوء أوباما وحساباته، ونزق بوش الابن، وطبيعة الجاسوس ومدير الشبكات السرية عند بوش الاب، وحب المظهرية والتمثيل عند ريجان ومثالية كارتر ورمادية فورد وانتهازية وحماقة نيكسون ووسامة ونزوات كينيدي … الخ. وربما لكل او بعض هذه السمات الشخصية دورا مهم ولكنها مجرد جزء ما من عمليات وسبل معقدة لتشكيل السياسة الخارجية الامريكية تشارك فيها أجهزة تنفيذية ولجان تشريعية وشركات ضخمة للسلاح والطاقة وجماعات ضغط وصحف ومنظمات مجتمع مدني. ولا يعني وجود تفصيل معقد ان هناك استحالة في الفهم بل تشجيع وحث على الصبر والتأني. ولا يعني هذا أيضا ان السياسة الخارجية الأمريكية جميلة ومفيدة اكثر للعالم من سياسات الزعماء الديكتاتوريين في بلادنا المنكوبة بغياب أسس الديمقراطية والحريات العامة ولكنه يعني انها اكثر كفاءة وتعبر بصورة ادق عن رؤى تدخل في تشكيلها عدة مؤسسات وجماعات وافراد لتمثل ما يعتقدون سويا انه المصالح القومية لبلادهم.
وفي بلادنا يشكل السياسة الخارجية رئيس السلطة التنفيذية سواء كان النظام جمهوريا ام ملكيا. ويمكن للرئيس ان يتجاهل نصائح مستشاريه تماما كما كان الرئيس السادات يفعل كثيراً ويقفز نحو مجهول ربما يكون فيه مصيبا او مخطئا. وبغض النظر عما اذا كانت قرارات رؤساء مثل السادات ومعمر القذافي وعلي عبد الله صالح في شؤون السياسة الخارجية تمخضت عن نجاح لاحق ام فشل ماحق، فانها كانت قرارات ديكتاتورية لا يحاسب أحد من اتخذها على خطأه (بل يستمر ويستمر مثل عبد الناصر بعد هزيمة ١٩٦٧ وصدام بعد حربي الخليج الاولي والثانية وبشار بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وخروج الجيش السوري مرغما من لبنان بعد احتلال طويل، وبن سلمان بعد اغتيال خاشوقجي .. الخ.
ويوضح الجزء الثاني من مقالاتنا حول السياسة الامريكية والربيع العربي من هم اهم الفاعلين الرئيسيين في صناعة السياسة الخارجية الامريكية.
من يطبخ السياسة الخارجية الأمريكية:
تقوم السياسة الخارجية الامريكية في القضايا الرئيسية مثل الدفاع والامن القومي والتجارة الدولية والاقتصاد والنظام المالي الدولي والبيئة على نتيجة الموائمات والصراعات بين البيت الأبيض (مؤسسة الرئاسة) ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع والمخابرات المركزية والكونجرس، ووزارات وهيئات اخرى يتم استدعائها عند الحاجة اليها وفقا للموضوع محل البحث. لكن السلطة النهائية تبقى في يد الرئيس الذي يتخذ القرار الأخير من بين خيارات عادة يعرضها عليها مساعدوه ويتجادل بشأنها خبراء وزارات وهيئات مختلفة يقدمون توصياتهم لمجلس الامن القومي الذي يقوده الرئيس بنفسه. ويضم هذا المجلس نائب الرئيس مايك بنس ووزراء الخارجية مايك بومبيو والقائم الحالي باعمال وزير الدفاع ورئيس الاركان ورئيس وكالة المخابرات ووزير المالية والنائب العام (بمثابة وزير العدل) ثم مستشار الرئيس للأمن القومي (وهو الآن جون بولتون) وممثلي هيئات حكومية اخرى حسب الحاجة إليهم.
يسمح اتخاذ قرارات السياسة الخارجية بمشاركة مؤسسات مختلفة، وبصورة شفافة قدر الإمكان، بالمحاسبة والثواب والعقاب وهي مقاربة افضل كثيرا من كهوف الظلام التي يتقرر فيها مستقبل بلدان كبرى تحت ستار من الغموض بدعوى حماية الأمن القومي، هذه الدعوى التي ما زالت تحيطنا من كل جانب لمنع خروج الوثائق والمعلومات للنور رغم ان مقارنة بسيطة بدول العالم الأخري تظهر ان الدول الأكثر انفتاحاً في نشر المعلومات الخاصة بالدول هي الاكثر تقدماً وقوة بكل المعايير، وعلى سبيل المثال نشرت واشنطن قسما كبيرا من وثائق مباحثات كامب ديفيد بين الزعماء السابقين جيمي كارتر وأنور السادات ومناحم بيجن. وتعتمد كل الدراسات الجادة المنشورة تقريبا عن حروب العرب واسرائيل على وثائق امريكية وأوروبية واسرائيلية أُفرج عنها بمقتضى قوانين تجعل هذه الوثائق متاحة خلال ثلاثين عاما في الاغلب، بينما لم يفرج بعد – في حد علمي – عن وثائق حرب ١٩٤٨ في اي بلد عربي رغم مرور ٧٠ عاما على هذه النكبة التي رسمت تاريخ المنطقة فيما بعدها، ولا توجد، في حد علمي قوانين او نصوص دستورية يجري تنفيذها من اجل ان تحافظ الحكومات العربية على مثل هذه الوثائق وتتيحها للاطلاع العام بعد فترة معينة من وقوع الاحداث التي تتناولها.
مجلس الامن القومي:
يقوم مجلس الامن القومي الأمريكي (الذي انشأه الرئيس هاري ترومان عام ١٩٤٧ وحاول السادات تقليده ومن بعده اخرون دون جدوى) بإعداد خيارات متباينة في ازمات السياسة الخارجية الكبرى مثل مواجهة خليج الخنازير مع كوبا والاتحاد السوفيتي في الستينيات، وحرب اكتوبر ١٩٧٣، وازمة الرهائن مع ايران في ١٩٧٩-١٩٨٠، والغزو العراقي للكويت سنة ١٩٩٠ وحربي افغانستان والعراق في ٢٠٠١ و ٢٠٠٣ على الترتيب — واخيرا موجات الربيع العربي. ولا يعني هذا ان الرئيس مجبر على اتخاذ قرار بعينه من بين هذه الخيارات ولكن دراسة هذه الازمات تظهر ان قرار الرئيس النهائي لم يخرج عن واحد من الخيارات المطروحة عليه من هذه الاجهزة في اطار مناقشات مجلس الأمن القومي (والوثائق الخاصة بمعظم هذه الازمات حتى عام ١٩٨٨ متاحة في الارشيف الوطني الأمريكي قرب العاصمة واشنطن ويمكن لأي شخص زيارته).
وعلى خلاف بوش تبني اوباما سياسة خارجية اعلن مبادئها في عام ٢٠٠٩ وتقوم على الحفاظ على زعامة وهيمنة الولايات المتحدة كونياً بالتوازي مع بناء ائتلافات دولية لمواجهة التحديات العولمية مثل الاحتباس الحراري والارهاب والاضطرابات الاقتصادية الدولية. وادعي اوباما ساعتها ان المبادىء الحاكمة لهذه السياسات هي دعم حريات الاعتقاد والتعبير ونشر الديمقراطية. وكان نشر الديمقراطية بالنسبة له مرتكنا – مثل بوش والتفكير الأمريكي عموما منذ انهيار المعسكر الإشتراكي – على ملائمة الديمقراطية اكثر للنظام الرأسمالي وعلى ان الحكومات الديمقراطية التي تسعى للحفاظ على مصالح شعوبها يكون تحديها للمصالح والرغبات الامريكية محسوباً واقل اندفاعا وبالتالي مثلا يمكن لتركيا معارضة التدخل الامريكي في العراق في عام ٢٠٠٣ دون مشاكل عميقة ومستمرة بينما يتورط العراق في حرب يعلم جيدا انه سيخسرها مع الة امريكا العسكرية الجهنمية. ولكن أوباما أحال للتقاعد سياسات سلفه بوش في مجال نشر الديمقراطية مفضلا ان تركز الولايات المتحدة على نشر الديمقراطية عن طريق تقديم المثال الناجح.
وغيّر ترامب مبادئ السياسة الخارجية الامريكية استجابة لازمات اقتصادية واجتماعية محلية وعالمية تدفع بالعالم الغربي الديمقراطي كله اقرب فاقرب الى اليمينية الشعبوية. وفي عامين توجه ترامب مدعوما بالكونجرس ونصف الناخبين الامريكيين تقريبا نحو سياسات تدعم الحمائية وتقييد التجارة وتكبيل حركة البشر واضعاف كونية مبادىء العدالة وحقوق الانسان ونحر قواعد المؤسسات فوق القومية سواء كانت شركات كبرى او منظمات اممية او قوانين دولية. وعنى هذا استعمالا مدمرا للقوة العسكرية الامريكية عند الحاجة مع انسحاب أو تراجع في الدور الأمريكي في العالم بشكل ما او باخر من منظمات سياسية وتجارية وامنية مثل منظمة التجارة العالمية وحلف شمال الأطلسي ومجلس الامن وعمليات حفظ السلام.
ورغم التحولات في شخصيات الرؤساء لم تتغير كثيرا الترتيبات المؤسسية واولويات الامن القومي الأمريكي في المنطقة منذ السبعينيات. وعلى سبيل المثال، ترامب اكثر ضجيجا وبجاحة وينادي صراحة أن تقدم الدول العربية المزيد من الموارد المالية والبشرية والعسكرية لخدمة أهداف السياسة الامريكية في المنطقة، ولكن أولويات سياساته في المنطقة لا تختلف جذريا عن أوباما وبوش وكلينتون.
وزارة الخارجية من محترفة السياسة الى الوزير المؤمن:
وفي ذروة هبوب رياح الربيع العربي كان لهيلاري كلينتون كوزيرة للخارجية في ٢٠١١ و ٢٠١٢ نفوذا كبيرا على صناعة قرار السياسة الخارجية بالمقارنة بمستشار الأمن القومي انذاك توم دونيلون. ووفقا لكيم غطاس مراسلة البي بي سي في واشنطن فان هيلاري كانت تذهب للبيت الأبيض يومياً تقريباً طوال عام ٢٠١١ لتلتقي مع اوباما ومع وزير الدفاع روبرت جيتس ومستشار الأمن القومي دونيلون. وزير الخارجية في الولايات المتحدة عادة ليس دبلوماسيا محترفا بل يأتي من صفوف الساسة أو الاكاديميين أو اعضاء الكونجرس او مراكز الابحاث، فهو منصب سياسي بامتياز. وشاغله الآن مايك بومبيو يأتي من قلب اليمين المسيحي المتشدد المؤمن بأهمية وقوع حرب طاحنة نهائية يعود فيها المسيح ويّذبح فيها اليهود واتباع الديانات الأخرى. وبومبيو عضو بارز بالحزب الجمهوري وشغل مقعدا في مجلس النواب قبل تعيينه مديرا لوكالة المخابرات المركزية ثم انتقاله للخارجية.
الدفاع والمخابرات :
أما وزارة الدفاع الأمريكية المعروفة باسم البنتاجون (او المخمس نظرا لشكل بنائها الخماسي الاضلاع) فتشارك في صنع قرار السياسة الخارجية على المستويات العليا عن طريق عضوية وزير الدفاع ورئيس القيادة المشتركة لقادة الاركان في مجلس الأمن القومي ويركزان عادة على ما يخص استخدام القدرات العسكرية في قضايا السياسة الخارجية. وتولي البنتاجون بسبب الحرب الدائرة ضد الارهاب (كما تحددها وتفهمها دوائر صنع القرار في واشنطن) دوراً اكبر في رسم السياسة الخارجية الامريكية منذ عام ٢٠٠١. وفي اطار هذه الحرب وبسبب طبيعة انتشار القوات الأمريكية اصبح الشرق الاوسط مكاناً شديد الأهمية للبنتاجون حيث به احد اهم مسارح الحرب على الارهاب (اليمن بالدرجة الاولي ثم سوريا والعراق) كما ان هناك عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين في المنطقة (العراق وافغانستان القريبة والقواعد الامريكية في البحرين وقطر والكويت) ولذا فان الترتيبات الامنية مع بلدان عديدة منها مصر والسعودية والاردن وتشمل حقوق الطيران فوق المجالات الجوية والعبور السريع ذو الاولوية للمجاري المائية، ومنها قناة السويس، او المياه الاقليمية كلها مسائل مهمة للغاية للمخططين العسكريين الأمريكيين من اجل تمكين الانتشار السريع ونشر عناصر القوة العسكرية بكفاءة.
يشارك رئيس وكالة المخابرات المركزية الامريكية في اجتماعات كبار المسؤولين في مجلس الأمن القومي وخاصة خلال الازمات وتلعب المخابرات الامريكية دورا اكبر في رسم السياسة الخارجية الامريكية، رغم استياء وزارة الخارجية، بسبب الحرب المستمرة على الارهاب منذ عشرين عاما وخاصة منذ عام ٢٠٠٣. وتشرف الوكالة بالكامل على العمليات السرية الخاصة وعلى استخدام الطائرات بدون طيار لضرب اهداف في اليمن والصومال وافغانستان وباكستان وسوريا على اقل تقدير ان لم يكن في بلدان اخرى وهي عمليات تصاعدت وتيرتها وحدتها تحت حكم اوباما وراح ضحيتها ألاف يستحيل معرفة من منهم كان مشتبها به في اعمال ارهابية ومن كان مدنيا جلبه حظه التعيس للمكان الخطأ في الوقت الخطأ. واستمرت هذه الهجمات في عهد ترامب ولكنها اعتمدت اكثر على الحلفاء وشركات القطاع الخاص. ويستمر دور الوكالة رغم تواصل الانتقادات بسبب الفشل في اداء مهام رئيسية تتعلق بجمع المعلومات وتقدير المخاطر كما حدث قبل غزو العراق في عام ٢٠٠٣ او ثورات الربيع العربي. وقالت لي خبيرة في السياسة الخارجية الامريكية تعمل في مركز ابحاث يراقب الادارة الامريكية في واشنطن منذ عشرين سنة: “فشلت الوكالة في رؤية الشواهد وتوقع اي مما حدث … ولم يكن لهم دور كبير في صناعة السياسة في واشنطن في ٢٠١١ ازاء الربيع العربي.” ولكن يبدو ان دورهم على صعيد الاتصالات والتنسيق لم يضعف كما اكد رئيس المخابرات العامة المصرية السابق اللواء محمد فريد التهامي في حديث للصحفي الامريكي ديفيد اجناشيوس نشره على موقع واشنطن بوست. وقال التهامي ان “التعاون بين اجهزة المخابرات الصديقة يجري في قناة مختلفة تماما عن القناة السياسية. وانا على اتصال مستمر مع مدير المخابرات المركزية الأمريكية جون برينان ومسؤول محطة الوكالة في مصر أكثر من اي جهاز مخابرات اخر.”
الكونجرس:
ونأتي للكونجرس او البرلمان الأمريكي بشقيه في مجلسي النواب والشيوخ وهو لا يشارك عادة في صنع تفاصيل السياسة الخارجية وخصوصا خلال الأزمات ولكن الرئيس دائماً يحيط قادة الكونجرس علماً بالخطوط العريضة والمهمة لأي تطورات جارية ثم يلجأ اليهم في الأغلب إذا احتاج لشن حرب بصورة رسمية – وهو امر عليه خلاف قانوني منذ صدور قانون سلطات الحرب في الولايات المتحدة عام ١٩٧٢ لمنع الرئيس من اعلان الحرب على دولة اخرى دون موافقة الكونجرس، ولكن اوباما مثلا صرح بالعمليات العسكرية في ليبيا دون تخويل من الكونجرس في ٢٠١١ بينما سعي للحصول على مثل هذا التفويض عندما فكر في ضرب سوريا في عام ٢٠١٣ ولم يحصل عليه ترامب مع قراره توسيع العمليات العسكرية في سوريا او القيام بضربات صاروخية على مطارات بشار الأسد ومخازن سلاحه. وتدور كل عمليات المخابرات الامريكية باستعمال الطائرات بدون طيار في اليمن وباكستان وغيرها دون موافقة الكونجرس. ويحتاج الرئيس ومؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية الكونجرس اذا استلزم الأمر اعتمادات مالية اضافية من اجل المعونات المدنية او العسكرية لدول اخرى، زيادة اعتمادات المؤسسة العسكرية الأمريكية او التصديق على أي معاهدات عسكرية.
اللوبي ومراكز الأبحاث وشركات العلاقات العامة:
واضافة للبيت الابيض (عن طريق مجلس الامن القومي) ووزارتي الخارجية والدفاع ووكالة المخابرات والكونجرس فهناك منظمات وهيئات اخرى تؤثر على السياسة الخارجية الأمريكية وصناعتها ومنها المنظمات الأهلية ومراكز الأبحاث والشركات الكبرى وجماعات الضغط السياسي المنظم (اللوبي). ولكلهم تأثير على السياسة الخارجية عن طريق العمل مباشرة مع السلطات التنفيذية او التشريعية او بصورة غير مباشرة عن طريق الاعلام والحملات.
ومن اهم الفاعلين من هذه الشريحة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط جماعات الضغط التابعة لشركات النفط والسلاح الكبرى وجماعة الضغط المؤيدة لأسرائيل، ويليهم في التأثير منظمات حقوق الأنسان ومراكز الأبحاث الخاصة بالمنطقة. وجماعات الضغط الشعبية مثل اللوبي المؤيد لاسرائيل تختلف تماما عن شركات العلاقات العامة واللوبي التي تستأجرها حكومات منها مصر من اجل تحسين صورتها في واشنطن. وكما فسر الصحفي المصري محمد المنشاوي المقيم في واشنطن فان “الغالبية العظمى من الدول التى تستعين بشركات اللوبى فى واشنطن تمثل نوعين: الأول هو الدول سيئة السمعة والتى تنتهك حقوق الانسان وتقيد الحريات منها دول عربية ودول أفريقية أو جمهوريات وسط آسيا. وتستعين هذه الدول باللوبيات لتبرير سياسات استبدادية أو غياب ممارسات ديمقراطية. ويكون الشأن السياسى الداخلى فى هذه الدول هو محور أنشطة شركات اللوبى فى تعاملها وتواصلها مع المسئولين والإعلام الأمريكى. والنوع الثانى يمثل دولا لها مصالح اقتصادية مباشرة فى الولايات المتحدة مثل كندا وبريطانيا وغيرها من الدول الديمقراطية التى تستعين بشركات اللوبى خدمة لهدف” اقتصادي. وجاء تعليق المنشاوي بعد ان تعاقدت هيئات مصرية حكومية بعد عزل حكومة الأخوان ورئيسها محمد مرسي مع شركة جلوفر بارك الامريكية مقابل ٢٥٠ الف دولار شهريا لتحسين صورة الحكومة في الكونجرس ووسائل الاعلام الأمريكية وكان هذا اول تعاقد حكومي مصري مع مثل هذه الشركات بعد سقوط مبارك.
أما مراكز الأبحاث والمنظمات الحقوقية فلها دور لا يقل أهمية. ولعل اهمها للشرق الأوسط معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني ومؤسسة بروكنجز ووقف كارنيجي ومركز الدراسات الدولية والاستراتيجية ومعهد الشرق الأوسط، ومنظمات حقوقية مثل مرصد حقوق الانسان (هيومان رايتس ووتش). وكل هذه المؤسسات تصدر مئات من الاوراق البحثية والتوصيات وتعقد عشرات الاجتماع شهريا مع ممثلي الحكومة الامريكية من اجل التأثير على سياستها الخارجية. وتشكل تلك الابحاث والاوراق حدود وآفاق السياسات الأمريكية بشأن الشرق الأوسط وتستعمل احيانا كساحات اطلاق بالونات اختبار .
وكان لمعهد بروكنجز دور مهم في السنوات السبع الماضية بشأن الشرق الأوسط اذ تزعمت تمار كوفمان ويتيس المساعدة السابقة لوزيرة الخارجية الامريكية لشؤون الشرق الأدني والمديرة الحالية لمركز صبان لسياسات الشرق الأوسط تياراً من اجل دعم التحول الديمقراطي في الشرق الاوسط كجزء لا ينفصل عن السياسة الأمريكية في المنطقة دون خضوع مبالغ فيه للمتطلبات الأمنية او السياسات النفطية. وانتقدت ويتيس وهي ديمقراطية سياسات بوش بصفتها فاشلة في تحقيق المراد منها ودعت الى ارتباط حقيقي بين المصالح الاستراتيجية ونشر الديمقراطية.
وفي الحلقة القادمة نتحدث عن دوافع السياسة الخارجية الامريكية في الشرق الاوسط وتطورها حتى بداية الربيع العربي.