المدونة

نُشر في موقع مدى مصر يوم ٢٦ اكتوبر ٢٠٢٠

مع استمرار السعوديين والإماراتيين في شن الحرب في اليمن، يجب عليهم زيادة – بل مضاعفة- الأموال التي كانوا يقدمونها للمساعدات الإنسانية في البلاد. إنه واجب والتزام أخلاقي، حتى لو كان من الواضح أن مثل هذا الواجب ليس من المحددات الرئيسية للسياسة الخارجية للرياض وأبو ظبي. هذه الأموال ستكون أيضًا خطوة سياسية ذكية، إضافةً إلى كونها التزامًا قانونيًا. 

يندهش بعض العاملين في المجال الإنساني عندما تقتل الأطراف المتحاربة آلاف المدنيين الأبرياء وتسبب البؤس الذي لا يوصف لملايين الأشخاص، ثم تضخ الأموال لضحاياها للتخفيف من معاناتهم. يرون أن تلك الأموال «ديّة»، ويأسفون على أن الأمر لا يعدو كونه «تبييضًا للوجوه». ربما يكونون على حق في رفض هذه الازدواجية الظاهرة، خاصةً إذا كانت مرتبطة باستعراض شهامة مصطنعة، يمكن تتبع جذورها فيما فعلته الولايات المتحدة عندما تبنت نهج النفاق هذا في العديد من الحروب التي شنتها على مر السنين.

ومع ذلك، فإن هذه الأموال مفيدة ومطلوبة. لا ينبغي الاحتفال بها، ولكن لا ينبغي رفضها أيضًا. في الواقع، يجب المطالبة بها.

من أصل 3.4 مليار دولار طلبتها وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة للعمليات الإنسانية في اليمن في عام 2020، قدمت السعودية 297 مليون دولار، بينما لم تقدم الإمارات شيئًا. ولا تزال الأمم المتحدة تعاني من عجز بنسبة 60% من احتياجاتها للعام الجاري. 

تحارب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في اليمن منذ ما يقرب من ست سنوات، قُتل خلالها ما لا يقل عن 100 ألف يمني، ولا تزال معدلات سوء التغذية بين النساء والأطفال من بين أعلى المعدلات في العالم، بعدد يتجاوز مليون امرأة ومليوني طفل يحتاجون لعلاج من الهزال أو سوء التغذية الحاد، وفقًا لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة. ووفقًا لمتحدث باسم البرنامج، قد لا يتلقى حوالي 530 ألف من هؤلاء الأطفال علاجًا غذائيًا، ما يعرضهم لخطر الموت، إذا لم يتلق البرنامج تمويلًا إضافيًا كافيًا.

يجب أن تنظر الرياض إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن على أنه تطور مدمر ومضر للمملكة العربية السعودية. ومن خلال دعم المعونة الغذائية والرعاية الصحية ومختلف الاحتياجات الأساسية والخدمات الاجتماعية الأخرى لعشرين مليون يمني محتاج، فإن الرياض ستخدم ببساطة مصالحها طويلة الأجل.

وعلاوة على ذلك، بموجب قوانين الحرب، على المقاتلين أن يسمحوا -بل يشجعوا ويضمنوا- وصول المساعدات الإنسانية الكافية للمدنيين. وللأسف يحدث العكس في اليمن. ووثق تقرير حديث لـ «هيومن رايتس ووتش» بعنوان «عواقب مميتة» كيف قام الحوثيون، الذين يسيطرون على شمال اليمن، جنبًا إلى جنب مع وكلاء السعودية والإمارات والميليشيات الأخرى التي تسيطر على بقية البلاد، بعرقلة إمدادات المساعدات، ولم يسمحوا بتوفير الحد الأدنى من الظروف التشغيلية للوكالات الإنسانية. ويزعم مسؤولون في الأمم المتحدة أن هذا النوع من العراقيل، وخاصة من جانب الحوثيين الذين تتركز معظم أعمال الإغاثة في أراضيهم، حيث يقيم أكثر من 70% من السكان، هو السبب وراء الانخفاض الواضح في دعم المانحين في عام 2020. وبغض النظر عن درجة عرقلة الحوثيين لعمليات الإغاثة -ومن بين ذلك قرارهم في 7 سبتمبر بإغلاق مطار صنعاء- فإن السبب الأصلي للأزمة الإنسانية يعود إلى الحصار البحري والجوي الذي فرضه تحالف بقيادة السعودية على اليمن منذ مارس 2015. ويقيد هذا الحصار بشدة تدفق الغذاء والوقود والأدوية إلى جميع اليمنيين، وهو انتهاك صارخ لقوانين الحرب.

لقد لجأت وكالات الإغاثة التي تعاني من نقص التمويل إلى إجراءات يائسة، وانخفضت بواقع النصف تلك الحصص الغذائية التي خطط برنامج الأغذية العالمي لتقديمها لحوالي 12 مليون يمني. ووصلت جهود الرعاية الصحية إلى طريق مسدود فعليًا في أجزاء كثيرة من البلاد. ويعتمد ما يقرب من 80% من سكان اليمن، البالغ عددهم 30 مليون نسمة، على المساعدات لتلبية بعض أو كل احتياجاتهم الأساسية. وتفشت الكوليرا وغيرها من الأمراض الخطيرة التي يمكن الوقاية منها على نحو متزايد بين السكان الذين يعانون من سوء التغذية ونقص المياه أو تلوثها. ويدعي تقرير «هيومن رايتس ووتش» أن «نصف المرافق الصحية في البلاد البالغ عددها خمسة آلاف أو نحو ذلك لا [تعمل] بكامل طاقتها، في ظل نقص كبير في الإمدادات الطبية والعاملين». وفي أغسطس 2020، حذرت الأمم المتحدة من أن البلاد على شفا مجاعة واسعة النطاق مرة أخرى.

سوف تستفيد الدول الأربع الأخرى المشاركة مباشرة في اليمن، أو من خلال مبيعات الأسلحة والدعم السياسي، وهي الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا وإيران، من خلال بدء أو زيادة دعمها لعمليات المساعدة الإنسانية هي الاخرى. لا توقف المساعدات الإنسانية الحروب، بل على العكس، يرى بعض المحللين أنها تطيل أمد الصراع. ومع ذلك، لا يوجد دليل على أن نقص المساعدات، وما يترتب عليه من معاناة مرعبة يضطر المدنيون لتحملها، يفعل أي شيء للمساعدة في الحد من إراقة الدماء أو إنهاء الحرب. 

لقد تراجع التمويل السعودي والإماراتي لوكالات الإغاثة في اليمن تدريجيًا منذ عام 2016. على سبيل المثال، قدم السعوديون لبرنامج الغذاء العالمي 380 مليون دولار في عام 2019، لكنهم قدموا ثلث هذا المبلغ فقط عام 2020، على الرغم من تدهور الأوضاع في اليمن. وتلقت اليونيسف، ثاني أكبر وكالة عاملة في اليمن، 268 مليون دولار فقط منذ عام 2016 من كل من السعودية والإمارات.

وتعد المملكة العربية السعودية أكبر مستورد عالمي للأسلحة منذ عام 2015، حيث تعقد 12% من إجمالي صفقات الأسلحة العالمية، وتنفق عشرات المليارات من الدولارات سنويًا على اقتناء الأسلحة ودعم قدراتها العسكرية الأخرى. وذهبت للإمارات 3.7% من إجمالي مشتريات الأسلحة خلال الفترة نفسها. وخلال هذا الوقت، أُريقت الدماء في اليمن، باستخدام هذه الأسلحة ذاتها. ولحين إنهاء التدخل العسكري في اليمن، يجب على جميع أطراف النزاع، بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، سد الفجوة في التمويل اللازم لعمليات الإغاثة الأساسية. لن يمثل هذا، في نهاية المطاف، سوى جزء صغير من نفقاتهما العسكرية.

في عالم أفضل، كان ينبغي فرض حظر شامل على بيع الأسلحة لجميع الأطراف، للمساعدة في إنهاء هذه المذبحة. في عالم مثالي، ما كان يجب أن تندلع هذه الحرب. وعلى الرغم من أنه يمكن القول إن هذا الدمار الهائل هو حرب يمنية أهلية، إلا أن اللاعبين الأجانب هم الذين جعلوها أكثر دموية وتدميرًا.

حتى وإن لم تعتبر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة زيادة المساعدات الإنسانية التزامًا قانونيًا أو ضرورة سياسية، فيجب عليهما اعتبار مساهمتهما شكلًا من أشكال «الدية» للآلاف الذين قُتلوا في الحرب التي يواصلون خوضها وتأجيجها. في النهاية، فإن دفع الدية عُرف مُتبع في شبه الجزيرة العربية منذ زمن طويل. 

منذ مارس 2015، عندما تدخلت السعودية والإمارات عسكريًا في اليمن، قُتل ما لا يقل عن ثمانية آلاف مدني في غارات جوية نُسبت إلى التحالف الذي تقوده السعودية، وفقًا لمشروع بيانات اليمن. وإذا أخذنا تقديرات متحفظة للديّات المتراكمة، فإن السعوديين مدينون بنحو 650 مليون دولار للأسر اليمنية. ويمكن أن تصبح هذه الدولارات المستحقة بداية جديدة، سواء بتوجيهها للمساعدات الإنسانية أو وضعها كرصيد للأجيال اليمنية القادمة التي ستعاني من عواقب المذابح والدمار الذي سوف يستمر لعدة سنوات مقبلة.

كاتب، صحفي، مصري، بتاع حقوق انسان، وموظف اممي سابق، ومستشار في الاعلام والتجهيل والحفر والتنزيل

One Comment

    • salahali

    • 4 سنوات ago

    قُتل ما لا يقل عن ثمانية آلاف مدني في غارات جوية ، بالنسبة للذين قتلوا جراء الحرب ،، الغام ارضية مثلا ، امراض، الذين ماتوا بدون غارات جوية ، نتيجة نقص الادوية او عدم وجود مستشفي مجهز ،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *