المدونة

١٣ نوفمبر – “في أثر عنايات الزيات” سيكون من اهم الكتب العربية التي صدرت في ٢٠١٩. تنطلق ايمان مرسال من رواية اشترتها بالصدفة في القاهرة، إلى شغف مقيم بحياة وانتحار كاتبتها، عنايات الزيات (١٩٣٦-١٩٦٣)، شغف أكاديمي وشخصي وعاطفي وعقلي. ولع دام سنوات طويلة حتى ظهر الكتاب. بحث ذهب بإيمان لتواريخ باشوات، من بينهم جد عنايات الأكبر، باشوات من اصول تركية وجركسية ومنهم من صار مسؤولا ووزيرا ومنهم من اخصاه جنوده وتركوا جثته للحيوانات بعد حملة عسكرية فاشلة في الحبشة، محادثات هاتفية وحوارات غنية مع صديقة عنايات الوحيدة، الممثلة نادية لطفي (بولا)، ومع نعم الباز التي كشفت ان الناشر الحكومي ربما غير نهاية رواية عنايات”الحب والصمت” ليجعلها تمجد حركة الضباط في ١٩٥٢ بفجاجة من اجل تمرير نشرها في ١٩٦٧ . في الكتاب حواديت عن لقاءات عنايات القصيرة الفاشلة مع انيس منصور ويوسف السباعي من اجل نشر أعمالها، وكيف تذكرونها لاحقا في أحاديثهم وكتاباتهم، حواديت عن والدها وشقيقتيها وعن شخصيات عبرت حياتها سريعا، واخرى اقامت رغم انها كانت قد ماتت فعليا من سنوات مثل جماعة من الباحثين والعلماء الالمان التي عاشت في مصر الاربعينيات والخمسينيات (كانت عنايات تعد لروايتها الثانية عن احدهم ويدعى لودفيج كايمر ومات عام ١٩٥٧)، وعن زواجها الفاشل وابنها الذي كان مصدر سعادة وخوف عميق وهو من تحدثت اليه وعن حبها له في خطاب انتحارها القصير (هو نفسه مات ربما منتحرا في ١٩٨٣ بعدها بعشرين عاما). 

تذهب ايمان لتاريخ المصحات النفسية في مصر وعلاقات السلطة والادب، تتماهى مع عنايات وتلومها، تفهمها ثم تصل لحدود لا يمكن تجاوزها لان الأرشيف مهما كان مكتملا (وهو ابعد ما يكون عن ذلك في مصر المعنية مجتمعا ودولة بنفض ورفض واهلاك واحلال الأرشيف او تركه للعتة) سيظل ناقصا. الكتاب هو عن ايمان وشغفها لحد ما أيضا وربما هذا ما يجعل قرائته ممتعة: عن ارشيفها هي شخصيا في ريف المنصورة، عن اصدقائها، عن شكوكها ونجاحها.  بين النهاية والبداية فعلا “مش ح تغمض عينيك” بس ح تكون ساعات كأنك راكب قطارات الملاهي المجنونة التي تأخذك في استدارات مرعبة وهبوط حاد ثم صعود مخيف ولكنك لا تغفل عن عنايات لحظة وعن كل هذه الحياة التي كانت قبلها وبعدها وحولها ولكنها لم تمسها بما يكفي ولم تحتويها بما يكفي: لم تنشر روايتها وربما بسبب خطأ عبثي ظنت معه ان الرواية رُفضت، وفشل زواجها، وعاقبها قانون الأحوال الشخصية والقضاء الرجولي، ولم ترتبط حقا بالرجل الذي وقع في غرامها قبل انتحارها بشهور، الخ. وكان كل هذا روافد لاكتئاب مروع لم تنجح في كسر الحائط الذي يبنيه هذا الوحش بين الواحد منا وبين العالم (فما بالك لو كان العالم تعسا وطاردا وليس مقبلا عليها حتى عندما وقع في غرامها ذلك الجار الوسيم لم تكن قادرة على الارتباط به حقا وانتحرت ربما بعد أيام من خبر زواجه وسفره ليعمل في السلك الدبلوماسي).

“في اثر عنايات الزيات” كتاب حفريات اثرية بامتياز وليس كتاب متاحف، لا شيء مكتملا فيه ولا أضواء مسلطة على جوانب وخافتة على أخرى، بل موقع حفريات نشط، به جدار هنا ونصف تمثال هناك وبهجة هنا وحزن عميق هناك، شاهد قبرها المحطم في قبور عائلات كبيرة صارت مسكنا ومورد رزق لعائلات هامشية في جبانات مصر، مقالات نسوية عن السير الذاتية ولقاءات المانيين في مطاعم قاهرية و و و .. الكتاب حفرية عظيمة عن البنى ادم وتحديدا المرأة المرهفة الكاتبة المكتئبة المتمردة البورجوازية الضعيفة القوية الذكية وكل من حولها رجالا ونساء واسرة وأصدقاء ومجايلين .. كتاب عن البشر واثارهم التي تختفي والتي تظهر، بشر كثيرون في هذا الكتاب ولكنهم – وربما كانت هذه هي المأساة – كلهم تقريبا كانوا واقفين وراء هذا الحائط الزجاجي الذي غرسه الاكتئاب بين عنايات والعالم حتى إدارت ظهرها له ومضت. 


١٥ نوفمبر – Note the sensitive soldier agony because of the daily BBQ party — from Demian Flores work on the conquest of the americas @francisco Toledo centre near Oaxaca. انظر إلى معاناة الجندي رقيق الحس والمشاعر بسب حفلة الشواء البشري اليومية. من اعمال دميان فلوريس عن الامريكتيين في مركز فرانشيسكو توليدو بالقرب من مدينة واخاكا جنوب المكسيك.


١٥ نوفمبر – Mauricio Toro-Goya’s fantastic work on a woman condemned to death and to vanquish. A great exhibition @francisco Toledo centre near Oaxaca.


١٢ نوفمبر – How Jose Orozco saw the end of WWII or is it the Middle East now! كيف رأى خوزيه اورزكو نهاية الحرب العالمية الثانية، أم أننا ننظر لحال الشرق الاوسط الآن؟


١٠ نوفمبر – الاهرام من يوم يومها وهي صحيفة قريبة من النظام الحاكم والنخب المسيطرة وشكلها وطريقتها في خدمة النظام كانت تكشف دائما عن أولوياته وطرقه وتفكيره، وتميزت الاهرام عن صحف موالية تمامًا لجهات سياسية مثل المقطم قبل انقلاب ١٩٥٢ والجمهورية بعده بمستوى اعلى من المهنية وكانت زي الراجل الاربعيني اللي بيخش ببدلة شيك وربطة عنق على محل مليان ناس بقمصان نايلون وجلاليب دمور. انما الحقيقة ما بات الاهرام ينشره احيانا من مقالات فظيعة متهالكة عن معارضين سياسيين اًو شخصيات مستقلة زي الدكتورة ليلى سويف مؤخرا حاجة فارغة من المعنى والمغزى ولا ترقي حتى لما يعرف شعبيا بفر الملايات والردح الذي له أصول. 
مش مهم مين اللي بيكتب لكن ظريف نعرف فكرتهم عن مين اللي ح يقرا اصلا وهمه بيشوهوا سمعة حد اكيد عايزين يشوهوها امام جمهور معين؛ طيب السيستم اللي مشغلهم عارف الفولة، واحنا هارسين نفس الفولة والجماهير العريضة بطلت أهرام. لمين بقى متوجهين بهذا الكلام؟ لمن تطبع الاهرام!؟

٧ نوفمبر – يتجرع يهود كثيرون ما زالوا مرارة الهولوكوست وعن حق، ولكن يهودا كثيرين يرتكبون جرائم لا تنتهي بحق الفلسطينيين، ويواجه مسلمون كثيرون تفريقا واضطهادا ممنهجا في بورما والصين وتمييزا وتشككا في اوروبا ولكن مسلمين كثيرين يرتكبون مظالم لا تنتهي بحق المسيحيين (ناهيك عن سنة ضد شيعة وفرق مسلمة اخرى)، وما زال عرب كثيرون يعيشون ذكرى الاستعمار والاذلال كمجموعة عرقية ولكن عربا كثيرين لا يتورعون عن اضطهاد وكراهية الاكراد …. واكراد كثيرون ولكن اكرادا كثيرين وهكذا. للبشر قدرة لا تنتهي على التمييز والتفريق واضطهاد الاخر لاسباب عديدة وعميقة وينتهي الامر بان الوحش المُخترع يصير وحشا حقيقيا. (افكاري بعد برنامج حواري ساعة بين عراقيين كان المتحدثين العاقلين الوحيدين المسالمين فيهم علمانيين وغير معنيين بهوية قومية او دينية بل بهوية عراقية عريضة وواسعة وانسانية … والتحدي هنا ليس التناقض بين قيم مخصصة لافراد كل مجموعة داخلها وممنوعة عن اعضاء طائفة اخرى بصفته نفاق رخيص ولكنها مشكلة حقيقية وعويصة تواجه اي شخص يحاول التفكير في اسس ومبررات حقوق كونية متساوية للبشر).


٥ نوفمبر – هناك مبالغة في قيمة حكم القانون ووجوده ذاته، خاصة في المراحل المنحطة او الانتقالية، حيث يتحول القانون بسهولة من آداة في يد منافحين عن العدل ومتشوقين للانصاف إلى سلاح ماض في يد مؤسسات تشريع وقضاء وشرطة ضد اي كائن يضعه النظام أو السلطان في خانة الخصم. القانون ليس عنوان الإنصاف ولكنه عنوان العدالة أو التساوي بين الأشخاص الخاضعة له طالما كانت في مراكز متماثلة (الحرامي حرامي بغض النظر كان ابن الملك والرئيس أو ابن الصعلوك والغفير) وهذه العدالة مهمة جدا لاستقرار المجتمعات، ولذا فالكارثة المهولة حاليا انه حتى مع وجود تلك القوانين الغامضة الغريبة الظالمة، القوانين اللي مفصلها ترزية هواة، يجري التلاعب بالقوانين والإجراءات الضامنة لعدالة سير المحاكمات في ساحات القضاء ثم بعد هذا الفجر المزدوج يجرى تنفيذ احكام القضاء بانتقائية او تجاهلها كلية. 

ليست هذه دعوة لهجر القانون وساحاته بل يجب العمل على استغلال القائم منه وإصلاح ما أعوّج منه – يعني السير في الطريق المحطمة ومحاولة اصلاحها لان الطيران فوقها مستحيل – وطبعا نحن هنا نقتبس عن كتاب فارسي قديم حول نظم الحيوانات في الغابة المجاورة التي لم يكن سلطانها عظيما مثل سلطاننا وبرلمانها مستقل كبرلماننا وقضاؤها عادل مثل قضائنا وشرطتها نزيهة كشرطتنا في عربستان.


٥ نوفمبر – زاوية محبي التاريخ والقراءة:
الواحد لسه يا دوبك بيتنقل من الغضب – على السنين الضائعة في مستنقع راكد من كتابات تاريخية ومُتلاعب بها في مدارسنا وكتبنا – الى الامتنان لتوافر القدرة المادية والعقلية والنفسية على معرفة وتقبل تاريخ بديل لبلادنا ودولنا وثقافتنا وديننا وسياستنا واقتصادنا واجتماعنا، وانفضاضنا. تاريخ بديل افضل لانه ليس حدوتة خطية يسودها بطل او ابطال سياسيون وعسكريون وغايتها الوصول الى عصر الزعيم الاوحد او البلد القائد او استعادة الماضي الذهبي العظيم او الاستشهاد دون كل ذلك او بعضه. وهذا التاريخ البديل اكثر تعقيدا واقل وضوحا ويستند على ادلة متنوعة ومصادر متعددة وتحليل متعمق الخ. وفي هذا اعني كتب تاريخ اكاديمية وكتب مؤرخون معاصرون وكتب عامة بقلم صحفيين وروايات واثار ومتاحف. وبقدر اهمية النص بالمعنى الواسع لكلمة نص هناك اهمية لا تضاهي لطريقة القراءة النقدية ومساءلة النص ومعرفة الغرض من كل نص والنظريات التي يستند عليها.  بس كل فولة وليها كيّال. مثلا الادب اللي مكتوب بذمة ومتعوب عليه والدراما المعمولة بضمير وكذلك المتاحف المعمولة كويس ممكن كلها تنقل احساس احسن باثر التاريخ على الحاضر .. مش نقل صورة عن الحقيقة (خللي بالك وحياة ابوك) بل عن اثر التاريخ القديم والقريب على الحاضر ومحاولة (غير واعية بالضرورة) لاستغلال التاريخ ده زي ما الكاتب او المؤسسة شايفاه عشان خدمة مشروع في الحاضر. يعني مثلا الهوجة بتاعة المسلسلات التركية عن امجاد مؤسسي الامبراطورية العثمانية او فيلم الممر في مصر او الروايات الحزينة المؤلمة (الكويسة مش الهردبكش) عما حدث للمشروع الناصري من تموق وتمزيق في السبعينيات او افلام مثل الكرنك تنتقد ستينيات مصر او شعارات القومية العربية في فيلم الناصر صلاح الدين …… كلها كلها امثلة على كيفية الاستفادة من هذه النصوص والشرائط والاثار في فهم افضل للتاريخ واحساس به شريطة الا تأخذها على انها نصوص تنقل الحقيقة كمرآة. ممكن كلنا نعطي عشرتلاف مثال من منطقتنا او مناطق غيرنا طبعا على مثل هكذا اعمال.

ايه اللي خلاني افتكر ده كله غير روايات اسماعيل قدري اللي بقراها دلوقتي عن التاريخ الالباني وزيارة في السنوات الماضية لكنائس قديمة في كوسوفو وشمال شرق جورجيا حكى لي فيها رهبان عجائز عن فظائع الاتراك (اللي حصلت من خمسميت سنة مثلا) ومسلسل تسجيلي عن تروتسكي على نتفليكس (عقب رواية كوبية عظيمة مترجمة للعربية عن الراجل اللي قتل تروتسكي “الرجل الذي كان يحب الكلاب” من تأليف ليوناردو بادورا).

انتهيت من “الحصن” (١٩٧٠) للكاتب الالباني اسماعيل قَدَري ثم بدأت في “جنرال الجيش الميت” وهي اولى رواياته من ١٩٦٣. قرأتهما بالعربية من ٢٠ سنة بهذا الترتيب لصدورهما في سلسلة روايات الهلال. “الحصن” أو ”الحصار” وهو اسمها عندما ترجمت للانجليزية تدور كلها في شهري صيف في منتصف القرن الخامس عشر في واحد من حصارات تكررت لسنوات لحصون البانية فشل العثمانيون معظم الوقت في فتحها. وتتمحور الرواية حول محاولات الجيش العثماني اقتحام حصن منيع بعينه وتدور كلها حول قادة وبعض جنود الجيش العثماني وافكارهم وامالهم واحلامهم. خليط عجيب من اسيا الوسطى وثقافات مختلفة ومهن متعددة، جنود وانكشارية وسباهية وفلاحين ومهندسين ومرتزقة ومنجمين وشيوخ وحفاري قبور واطباء، شجعان وجبناء، يلقون بانفسهم للموت ويتركون رفاقهم للموت، يكادون يفقدون حياتهم من اجل صديق ولكنهم يبيعون اجسادهم لرجال مثلهم كي يوفروا نقودا ليشتروا جارية حسناء ينكحوها ليلة ثم قد يبيعونها أو حتى يشتركون في ثمن جسدها مع مشتري اخر بسبب ارتفاع ثمنها. بهذا المعنى رواية مذهلة عن العسكر الذين يخوضون الحرب ولماذا وكيف.

الحاجة التانية المذهلة هو ان الرواية بالرغم من انها عن صمود الالبان وانتصارهم بشكل ما فالحصن المنيع هو الوحيد تقريبا الذي يمثلهم دراميا، فلا شخصيات البانية في الرواية وحتى القائد الخرافي اسكندر بك لا يظهر. درس عظيم هذا لمن يصنعون افلاما عن بطولات عربية ومصرية حربية مفترضة اذ توضح كيف يمكنك ان تكتب عن نصرك من عين وقلب هزيمة الاخر دون اسفاف او انحطاط. حاجة مذهلة الحقيقة وضد الحرب بشكل اساسي ولا تمجد حتى في الاسطورة جورج كاستريوت (الاسم الالباني لاسكندر بك) رغم ان حكايته هو نفسه كلها دراما فقد كان قائدا مقربا للسلطان العثماني الذي رباه في القصر كعادة الحكام العثمانلية في ذلك الوقت بعد اختطافه من اسرته النبيلة في منطقة البلقان وهو طفل. وفي نهاية عشرينياته تقريبا فر اسكندر بك وقاد قسما هائلا من الجيوش الالبانية في وجه التوسع العثماني.

ورغم الطباعة الرديئة والاخطاء المطبعية الكثيرة وبعض مقاطع الترجمة التي تحتاج بشدة الى تحرير لها من ركاكة في اللغة واضطراب في انتقالات الجمل، إلا أن الواحد مدين بشدة لرجال مثل مصطفى نبيل (وربما اخرون قبله ايضا) في الحفاظ على واصدار هذه السلاسل المهمة من الكتب ومجلة الهلال التي اصدرها الصحفي اللبناني جرجي زيدان منذ عام ١٨٩٢. كانت هذه السلاسل تواكب وتنشر وتترجم وباسعار منخفضة للغاية.وحتى الان يمكن لشخص ليس لديه ربو ولا حساسية من الاتربة ولا يأنف من الفوضى ان يزور مكتبة دار الهلال في شارع المبتديان وبمائة دولار اًو ١٥٠٠ جنيه يشتري حوالي مائتين (نعم ٢٠٠) كتاب من روايات وكتب تاريخ ومترجمات.

٣ نوفمبر – سألته بفضول لماذا تتأرجح صورة صدام حسين من مرآة السيارة على يمينه، فسألني عن سبب سؤالي، وعما اذا كنت أكره صدام، ولماذا جذبت انتباهي الصورة، ودون انتظار اجابتي، استمر هادرا في ان الرئيس صدام كان على حق وانه عرف هذا لما نظر إلى خصوم الزعيم الشهيد.
– مش فاهم قصدك؟
-يا استاذ احنا نعرف مين على حق لما نشوف مين اعدائه! واعداء صدام كانوا ايران واسرائيل وامريكا
– يعني بس كمان فيه ناس كتير عراقيين كانوا يكرهون صدام ..
– السيدة عائشة كانت على حق. صح؟ 
– ايه علاقة السيدة عائشة بموضوعنا؟
– ما تتهربش من الاجابة يا استاذ؟ انت بتشتغل ايه؟
– مش فاهم السؤال ومش فاهم علاقته بموضوعنا. ولا علاقة شغلي بالموضوع. 
– يعني مين كان اعداء السيدة عائشة؟ هه؟ مين؟
– مش عارف قصدك ايه!
– يعني ايه مش عارف؟ انت مش مسلم ..
(قاومت شعورا ان اكذب واقول له انني مسلم وشيعي لاعرف رد فعله ولكن اذرعه بدت ثقيلة وكرشه كبيرا بينما برزت سلسلة ذهبية سميكة من فتحة زائدة في قميصه وتسيدت ةجهه عينان ينظران مثل سمكة ميتة. يفوقني طولا وعرضا وانتفاخا، وانا في بلده مكسور الساق ولا احب الخناق!)
– يا سيدي اكيد بين اعداء السيدة عيشة كان فيه ناس مش كويسين لكن كان فيه صحابة ….
– عيشة؟ عيشة؟ اسمها عائشة يا استاذ. وصحابة؟ صحابة؟ هو انت ليه مش بترد بوضوح؟
– خلاص يا سيدي مش مهم …
– ما هو انت لو مش شايف ان السيدة عائشة على حق يبقى بلاش كلام خالص.
– الله يرحمها ما يهمكش خلاص. انا وصلت عيادة الدكتور وح انزل هنا.
– طب انتظر دقيقة بس انا عندي كمان ساعات عليها وجه صدام واحزمة ونظارات …
– ؟؟؟؟؟؟
– الله يخليه رغم انه مات فاتح بيتي لسه
– ؟؟؟؟
– يعني لو تحب تشتري اي حاجة في حاجات من ميت دولار لغاية ساعات سويسري بخمستلاف دولار .. كلها عليها صورته وفي منها حاجات كانت بتاعته بس دي بتوصل عشرتلاف دولار واكتر …
– ربنا يخليلك صدام 
– كان راجل. خد ده تليفوني لو انت او اصحابك عايزين تشتروا حاجة تشيل ذكرى الزعيم الراحل ..

حوار حقيقي خالص بتصرف بسيط وقع لي في عاصمة عربية ومثله حصل لي من قبل بشأن الشعراوي او بشان عبد الناصر او بشان السيسي او القذافي او او او … ناس تنتقل من عبادة فرد للمتاجرة باثاره او به هو ذاته. ناس يسحق لا وعيها احساس مهيمن بالهزيمة والانسحاق امام امريكا واسرائيل والأخر ولكنهم يكرهونهم بشدة في نفس الوقت ويحتقرونهم، ممزقون بين شعور وواقع تفوق كاسح لهذا الاخر البغيض وبين شعور ضروري معادل وملطف بانهم هم الرابحون في النهاية لانهم عرب او مسلمون او رجالة اكتر او اي هراء، ومع كل هذا الحنين المريض لكرامة ومكانة واحترام يبقون نفسهم تحت اقدام ورغبات سادة اخرين (او يضعوا احذية هؤلاء السادة على رؤوسهم عشان شبههم او على دينهم او مصدقينهم او تطبيقا لنظريات المازوخية والتلذذ بجلد الذات أو تلقي الاهانة والعذاب ….)

انا افضل النوع الاول اللي هو بيسترزق ويبيع ساعات صدام في القهوة أو شرايط الشعراوي على باب الجامع أو يحط الكتاب الاخضر على مكتبه (لغاية ما مات القذافي) وح يعبد السعودية ويفتكر الكعبة في الرياض لغاية النفط ما يخلص. الناس دي واضحة وسافلة والواحد ممكن يحتاط منها، لكن الواحد يخاف من ويخاف على المازوخيين اتباع الدين الجديد من عبدة الدولة والقائد والمعلم والسيد والفريق. انظر اليهم وهم يسيرون حولنا ببلادة الزومبي ولكن بخطره الدموي الداهم بينما تتأرجح “جزمة” المنقذ المخلص على رؤوسهم (او صورة صدام قريبا من قلوبهم الميتة).


١ نوفمبر – في أقل من ١٣٠ صفحة تتركك هذه الرواية المؤلمة مع جغرافية واضحة للخراب المحيط بنا في بلادنا العربية، خراب يعشش في زوايا أنفسنا ونحمله معنا اينما رحلنا. ولكن في مفارقة غريبة تتركك ايضا مع شعور هادىء بالقوة وابواب احتمال مشرعة. في “بريد الليل” تأخذك هُدى بركات إلى صفحات خطابات لا تُرسل وبريد لا يصل وليل لا ينتهي، تمسك بيّد طفل لفظته أمه، وطفلة باعتها أمها وأم قتلت من أجل ابنتها وأم قتلتها ابنتها وأب طرد ابنه ورفيق باع صديقه، الى حب بلا سقف وقسوة بلا قاع وقتل دون إجرام ومومسة دون عهر وتشرد دون ابتذال وسفر دون وصول، وطيبة وكرم وتضحية وبذل وشجاعة بلا سبب، الى نهاية العالم وعبر وديان موت يبدأ معها الأمل. صدقني!

كاتب، صحفي، مصري، بتاع حقوق انسان، وموظف اممي سابق، ومستشار في الاعلام والتجهيل والحفر والتنزيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *