Blog

  • Home
  • مقالات
  • درج

نُشر في موقع درج يوم ٣ مارس ٢٠٢٠

حقق عرب 1948 مفاجأة في الانتخابات التشريعية الإسرائيلية راهناً، وحصلوا على 15 مقعداً أو 12.5 في المئة من مقاعد الكنيست بزيادة مقعدين عن انتخابات أيلول/ سبتمبر الماضي.  وهناك مظالم عميقة وسياسات عنصرية ونضال سياسي متواصل ساهمت كلها في حشد العرب من أجل التصويت أكثر هذه المرة في الانتخابات التي تنعقد للمرة الثالثة خلال عام واحد. ولكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وخطته المشهورة باسم صفقة القرن، هما في الأغلب مسؤولان عن المقعدين الإضافيين اللذين ذهبا إلى القائمة العربية الموحدة التي سعت إلى كسب أصوات الناخبين بين نحو 1.7 مليون فلسطيني داخل إسرائيل. 

وتدعو الصفقة بين ترتيبات عدة إلى نقل منطقة خاضعة للسيادة الإسرائيلية تعرف باسم المثلث ويسكنها حوالى ربع مليون فلسطيني إلى كيان فلسطيني مقطع الأوصال في الضفة الغربية. ويعني هذا أن أغلبية أهالي عشر تجمعات سكانية عربية في تلك المنطقة التي تضم بلدات مثل الطيبة وام الفحم وغيرهما، قد تجرَّد من الجنسية الإسرائيلية التي هي حماية أفضل من بطاقة هوية لا قيمة لها في سجن كبير تسيطر عليه إسرائيل، بغض النظر عما إذا كانت الصفقة المعروضة ستسميه “دولة”.

وطالما عانى الفلسطينيون داخل إسرائيل من التمييز ضدهم في سياسات الإسكان والتعليم والخدمات الاجتماعية الأخرى. وكانت اللطمة قبل الأخيرة عام 2018، مع إقرار قانون أساسي للدولة أزاح اللغة العربية من مكانتها كلغة رسمية مع اللغة العبرية، ونص على أن اليهود فقط لهم حق تقرير مصير الدولة ودعم تأسيس المزيد من المستوطنات، وأن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل. ولكن رغم هذه المعاناة كلها فما زالت حياتهم هناك أفضل من حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة من حيث الاحتياجات اليومية والخدمات الاجتماعية وحرية التنقل والعمل.

جاءت صفقة القرن قشة إضافية على ظهر بعير ربما انكسر من وقت طويل، ربما لتدفع فلسطينيي إسرائيل نحو التركيز على حقوقهم كمواطنين داخل الدولة والدفاع عن بقائهم فيها في وجه سيناريوهات تجريد من الجنسية لنقلهم لرعاية دولة كسيحة، سلطاتها أقل من سلطات مجلس مدينة إسرائيلية في نهاية المطاف.

وعبر أيمن عودة زعيم القائمة الموحدة عن هذا الموقف قائلاً: “هناك شخص معين وراء هذه الصفقة: بنيامين نتانياهو… ونحتاج أن نطيح به”.

ولكن نتانياهو قاد الليكود ليحصل على مقاعد أكثر من الجولة الانتخابية السابقة أو نحو 36 مقعداً، وإذا نجح في عقد ائتلاف مع أحزاب يمينية دينية وقومية متطرفة، سيشكل الحكومة القادمة بهامش اغلبية بسيطة، او مقعد واحد، في الكنيست. وفشل حزب يمين الوسط، كحول لافان، (تعني “أزرق أبيض” بالعبرية وهو لون العلم الإسرائيلي)، بزعامة الجنرال بيني جانتز في الحصول على أكثر من 32 مقعداً، وبالتالي فكتلته السياسية حتى إذا ضمت المقاعد الفلسطينية، ما زالت أقل من نصف عدد مقاعد الكنيست بستة مقاعد. 

ويعود النجاح الفلسطيني إلى تمكنهم من دفع عدد أكبر من الناخبين العرب للذهاب إلى الاقتراع. وتمكنت أوساط سياسية عربية من تنظيم حملة شارك فيها 600 شخص قاموا بزيارة 140 ألف منزل فلسطيني (أو نحو 40 في المئة من الناخبين)، لحثهم على التصويت في الانتخابات. ونالت هذه الحملة دعماً مالياً من عدد من الأغنياء الأميركيين. وكانت نسبة التصويت بين العرب الفلسطينيين نحو 50 في المئة في انتخابات نيسان/ أبريل العام الماضي، ارتفعت الى 60 في المئة في أيلول، ولكن يعتقد أنها ستتعدى هذا بنقاط مئوية مع ظهور النتائج النهائية.

ويؤدي أي نجاح فلسطيني انتخابي حالياً إلى حرمان اليمين الإسرائيلي المتشدد من الحصول على مقاعد تكفي لتشكيل ائتلاف حاكم أو جعل هذا الأمر أكثر صعوبة، ما سيجعل أي ائتلاف تتسّيده الليكود أكثر هشاشة وضعفاً. 

وأدرك السياسي البارع نتانياهو هذا الخطر فقام في الفترة الأخيرة بمغازلة الصوت العربي بطرائق مختلفة، كان منها لقاء مع قناة “هلا” الإسرائيلية الناطقة بالعربية وقال فيها إن حكومته أنفقت 15 مليار شيكل (4.3 مليار دولار) على تطوير المناطق العربية في إسرائيل، وغازل المسلمين المتدينين، قائلاً إنه سيُسمح للمسلمين من عرب 1948 بالحج من دون الحاجة إلى تأشيرة دخول وأن هذه “ثورة في السعودية” والمح إلى تنظيم رحلات طيران مباشرة قريباً من إسرائيل “ما سيوفر آلاف الشيكلات على الحجاج”. 

وبينما ستجعل المقاعد الفلسطينية مهمة نتانياهو أصعب، فإن هناك شبه استحالة حالية لتشكيل ائتلاف بين عرب 1948 واليمين الإسرائيلي المعتدل في حزب كحول لافان، فالقائمة العربية تضم بين أنصارها معارضين واضحين للصهيونية بل وإسلاميين، بينما يضم حزب كحول لافان الهش أطيافاً سياسية متعددة منها مثلاً جناح يميني متشدد يقوده وزير الدفاع الليكودي السابق موشي يعالون.

وهكذا خلال أقل من سنة وعبر ثلاث جولات انتخابية فشل أكبر حزبين في إسرائيل في الحصول على أغلبية تمكن أياً منهما من تشكيل حكومة ائتلافية بسهولة، لتظل الأحزاب والتجمعات الأخرى الصغرى بما فيها القائمة العربية الموحدة هي صانعة الملوك بامتياز، هذا لو نجحت إسرائيل في صنع حكومة هذه المرة ولم تضطر للذهاب لصناديق الاقتراع مرة رابعة.

ديموقراطية الصناديق الانتخابية تستحق النقد الموجه إليها من حيث أنها تسمح للمواطنين في بلد ما بالتعبير عن رأيهم عمن ينبغي أن يحكمهم مرة كل سنوات عدة، ولكنها لا تسمح بمشاركة حقيقية ولا تسمح بعقاب الفشل سوى في الانتخابات التالية. نقد مستحق ولكن تظل الانتخابات أفضل طريقة لمعرفة التوجهات السياسية العامة للمجتمع، وتكشف في إسرائيل عن ميل واضح نحو اليمين الأمني من حيث قضايا السياسة الخارجية ومصير الفلسطينيين وعرب إسرائيل وفوضى وشكوك حيال السياسات الداخلية.

وعلى رغم أن نسبة الأورثوذوكس المتشددين لا تزيد عن 12 في المئة من الناخبين، فقد زادت حصة اليمين الديني مقعداً، إذ حصل شاس الذي يمثل اليهود الشرقيين (سفارديم) على عشرة مقاعد واحتفظ يهوديت توراة الذي يمثل اليهود الغربيين (أشكيناز) بمقاعده الثمانية. وحصل حزب “اليمين الجديد” القومي وزعيمه وزير الدفاع نفتالي بينيت الذي يؤيد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية بقوة على ستة مقاعد. ويحصل اليهود الارثوذوكس المتطرفون على إعفاء لمعظمهم من الخدمة العسكرية الإجبارية ويحصلون على مخصصات مالية وقسم من موازنات وخدمات الدولة، واستمرار هذه المميزات ستكون أقل ثمن يطالب به اليمين الديني للدخول في ائتلاف مع نتانياهو. وهذه المميزات نفسها هي التي تمنع حارس الملاهي الليلية ووزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان وحزبه “إسرائيل بيتنا”، الحاصل على 7 مقاعد من الدخول في ائتلاف مع نتانياهو، لأنه يعارض هذه المعاملة التفضيلية للمتشددين الأورثوذوكس، والاهم ان ليبرمان يحمل قدرا هائلا من الضغينة الشخصية لنتنياهو.

لم يخض الحزبان الكبيران، الليكود وكحول لافان، معركة حقيقية حول السياسات ولكن حول الشخصيات، ويتفق الحزبان في القضايا التي تخص أمن إسرائيل (ضد إيران و”حزب الله” و”حماس” ومع القيادة السياسية الحالية للسعودية والامارات ومصر) وضد دولة فلسطينية حقيقية ومع ضم غور الأردن والمستوطنات الإسرائيلية في الضفة لتخضع للسيادة الإسرائيلية. ولا خلاف كبيراً بينهما في القضايا الاقتصادية. الصراع بين الحزبين هو صراع بين نتنياهو وجانتس، الذي يقود حزباً ائتلافياً هشاً، لم يظهر للوجود سوى بداية العام الماضي. 

ويبدو أن النتيجة النهائية لهذه الجولة الانتخابية هي أن “حزب كحول لافان” سيغير قياداته قريباً، ولكنه قد يبقى سجين منافسه، “حزب الليكود”، طالما بقيت مواقفه تشبه الليكود في المطاف الأخير، ولا يختلف عنه سوى في الزعامات التي يقدمها. وسيستمر اضمحلال اليسار التقليدي في “حزب العمل” وميريتس في الاغلب بينما قد يستمر اندماج كتلة عرب 1948، في هياكل الدولة الصهيونية، وهو ربما بصيص أمل بسيط في المستقبل البعيد، وربما الباب الوحيد كي تتحول إسرائيل إلى دولة تنتمي لهذا العصر بحسناته وسيئاته وليست استثناء صارخ العنصرية ينتمي للكيانات الاستعمارية الآتية من قلب القرن التاسع عشر. 

توزيع مقاعد الكنيست على التيارات الأساسية الرئيسية بعد فرز أكثر من ٩٠ في المئة من الأصوات

  • الكتلة اليمينية القومية/ الدينية (ليكود، شاس، يهوديت توراة، ويمينا) 59 مقعداً
  • يمين الوسط (كحول لافان) 32 مقعداً
  • القائمة الموحدة للفلسطينيين 15 مقعداً
  • يمين قومي علماني (إسرائيل بيتنا) 7 مقاعد
  • اليسار (العمل، جيشر، وميريتس) 7 مقاعد 
كاتب، صحفي، مصري، بتاع حقوق انسان، وموظف اممي سابق، ومستشار في الاعلام والتجهيل والحفر والتنزيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *