Blog

  • Home
  • مقالات

7 اكتوبر — واقفان عند سير الحقائب في المطار، نظرت لي الفتاة العشرينية وقالت “لو سمحت يا عمو !” ثم اشارات لحقيبة ضخمة للغاية “ممكن تنزل لي الشنطة دي!؟” … حتى فوائد التقدم في السن لا نحصل عليها😂

2 اكتوبر — ادانت هيئة محلفين احمد ابو عمو، الموظف السابق في شركة تويتر، وهو الرجل المتهم بانه سرق بيانات من الشركة عن معارضين سعوديين وارسلها إلى مستشار لولي العهد السعودي. تلقي ابو عمو عدة هدايا فاخرة من اولياء عمله الجاسوسي وبينها ٣٠٠ الف دولار على حساب فتحه باسم والده في لبنان منذ عدة سنوات. الفكرة المسيطرة علي هذا الصباح ان هناك نوعا ما من العدالة الالهية او الشعرية، حسبما يريد القارئ، جعل هذه النقود لا قيمة لها بعد انهيار المصارف اللبنانية في جريمة سرقة منظمة اخرى ارتكبها اولياء الامر في بلادنا. الجيب واحد عند هذه النخب على اي حال! وفلوس المستشار السعودي راحت لصاحب بنك لبناني او احد مساعديه، غير ان اياديهم تستمر في جيوبنا او على اعناقنا، هم وجواسيسهم!

أول اكتوبر — قرأت صباح اليوم “سمٌّ في الهواء” للروائي اللبناني الرائع چبور الدويهي، وكان للعنوان الفرعي لو وافقنا الكاتب قبل رحيله المباغت العام الماضي (نفس عام نشر الرواية) ان يكون “التاريخ النفسي لرجل لبناني في القرن العشرين”. تعرض الرواية القصيرة نسبيا بحساسية ورقة وفنية بالغة حياة صبي ماروني، وحيد والديه، ومغرم بالقراءة، بداية من قريته ومسقط رأس عائلته في الجبل مرورا بتنقلات اسرته العديدة بسبب الحرب الاهلية والطائفية وعلاقاته العاطفية المضطربة والسياسية المثالية قصيرة العمر (كان عضوا نشطا في جماعة من بضعة افراد تدعى التروتسكيين العرب وحاول الانضمام للفدائيين الفلسطينيين) وتحوله عن مذهبه ليتزوج شيعية، والاهم تلك الحياة الداخلية التي يصارع فيها حاله وكآباته وعلاقاته بابيه وامه وعمته وخالته وعشيقاته وزوجته وصديقه المثلي وهو يبتعد اكثر فاكثر عن الحياة اليومية ويدخل اكثر فاكثر في الكتب، ونهاية بحريق الكتب واحدا وراء الاخر ليختفي جسره الاخير نحو “الواقع” ويطير مع رف الحمام من فوق الجبل، بعد انفجار ميناء بيروت. أتي الانفجار واختفاء الراوي الفعلي بعد اختفاءه في اعين المجتمع ونهاية كل علاقاته الاجتماعية كنهايات تليق برواية تتحدث عن تحلل مجتمع وأسى وحزن وفشل افراده العميق في استنقاذ ماض ما برئ ومغري باحلامه، أو السيطرة على حاضر متداع مهدد وسخ، أو محاولة الحلم بمستقبل في حياة صار الموت فيها هدف شخصيات متعددة او نهايتها القسرية على يد الاخرين.

تسلم ايدك يا چبور، ح تفضل عايش معانا ومن بعدنا ب “سمٌّ في الهواء” و “حي الامريكان” و “شريد المنازل” و “مطر حزيران” و “ُطبع في بيروت” وغيرها.

30 سبتمبر — مع كل الحنين لايام الاذاعة والمحطات والمحبة لاجهزة الراديو وتاريخها، حان اوان رحيل الاذاعة كمحطات للبث في عصر الانترنت … مع السلامة للبي بي سي العربي وقريبا كل محطات الاذاعة ح تبقى محمولة على النت مش على الاثير ومحتاجة وصلة مش ايريال، وقريبا كمان ح تحصلها محطات التلفزيون وتنتقل من الفضاء والاشتراكات الى كابلات الانترنت …. طبعا اللي لسه عايز يشتري اسطوانات الفينيل القديمة ويسمع راديو فيليبس ح يفضل هناك سوق محدود بس الاغلبية الساحقة رايحة على بودكاست ويوتيوب وسبوتيفاي ومحطات البث الانترنتي … والتحدي الحقيقي ح يكون تمويل المحتوى وضمان جودته وان مش بس الاغنياء والقادرين يحصلوا على محتوى جيد … ماعدا كدة محاولة ايقاف التكنولوجيا وهم .

27 سبتمبر — طلبت من جوجل كل المعلومات الخاصة بي والمخزنة لديه منذ بدأت استعمال متصفح جوجل في ٢٠١٣ فارسل لي ٤٤ فولدر كل واحد منهم ٢ جيجابايت وبكل فولدر بيانات لا تنتهي عن ….. عن كل شئ!

12 سبتمبر — في واحد في سبع سنين في السلطة غير النظام الدولي الحديث كله وفكك امبراطورية ضخمة بسلام وسلم السلطة وعاش بعدها ٣٠ سنة، وفي واحدة فضلت سبعين سنة في السلطة لغاية ماماتت وما عملتش حاجة الحقيقة غير انها كانت بتمضي بشكل بروتوكولي لتعيين حاكم البلد الفعلي أو رئيس الوزراء. يقوم جورباتشيف واليزابيث يموتوا السنة دي مع بعض وهما في التسعينيات من العمر، الأول مش كتير كانوا فاكرينه واتدفن من غير حتى رئيس بلده ما يروح الجنازة بينما الملكة ح يحضر جنازتها نص حكام الارض.

هل عشان هي فضلت في السلطة (اللي مش سلطة اصلا بجد وجد) وهو كان متقاعد وعمل اعلانات لبيتزا هت عشان ما سرقش فلوس زي اللي بعديه (بما فيهم بوتين المتهم باختلاس مئات ملايين الدولارات!)؟ هل عشان هو خسر محاولته لتغيير النظام في الاتحاد السوفييتي وانقاذ الاقتصاد المنهار من غير دم والناس خصوصا اكتر من نص الروس دلوقت بيشوفوا انه فاشل وخايب ويمكن خاين؟ هل عشان هي كانت بتعطي احساس للناس بالديمومة وان كله تمام وما فيش حاجة ح تتغير ما تخافوش ومش مسؤولة عن فشل اي سياسات لانها ما بتحطهاش اصلا؟

هل عشان موته مستحيل يترجم لفلوس وتربيطات واحتفالات ومبيعات، بينما جنازة وعزا الملكة ح يبقى فيلم طويل واعلانات وصحف ومقالات وفيديوهات وفلوس وكلها عن مواضيع بسيطة الناس ممكن تلاقي نفسها فيها ومش محتاجة تفكر في تعقيداتها وتفاصيلها؟ هل عشان ما فيش حد حوالين جورباتشيف تتشخصن عليه المسألة بينما في هم ما يتلم من تشارلز لميجان لكيت لكاميلا لامراء وحواديت ملكية وقصور في الناحية التانية؟

اللي مزعلني في ده كله مومياوات اليسار المحنط في العالم وعندنا اللي فاكرين ان جورباتشيف عمل مؤامرة لهد الاتحاد السوفيتي العملاق وان اليزابيث كانت رأس حربة الاستعمار. مساكين لا ح يعرفوا ينتهزوا الفرصة ويفهموا ملابسات انهيار نظم اشتراكية الدولة من ناحية ولا ح يفهموا يعني ايه صناعة المشهدية والاحتفاليات والطقوسية وتسليع حنين الناس وتعلقهم برموز معينة من ناحية تانية. يللا اهو انا فرحان في النوع ده من اليسار الستاليني القديم ومش مهتم بموت اليزابيث الحقيقة ولو ان الراجل الحالم الفاشل جورباتشيف اللي معرفش يعملها صح لانه كان مستحيل تتعمل صح، صعبان عليا!

11 سبتمبر — لم اقرأ الايكونوميست من مدة، ولكن منحتني رحلة طيران طويلة الوقت فقرأت عدد الصيف المزدوج وكانت به تقارير صحفية مهمة جدا عن اوكرانيا وعن محمد بن سلمان ولكن الاهم تقارير صحفية عن الانترنت والاعلانات والفيديوهات القصيرة والميتاڤيرس، ومن معلوماتها:

الانفاق على الاعلانات الاونلاين في الولايات المتحدة فقط وصل الى ٢١١ مليار دولار في سنة ٢٠٢١

قرار شركة آبل تعديل اعدادات الخصوصية حرم المعلنين من تتبع سلوك اصحاب أجهزة آبل وبالتالي باتوا عاجزين عن استهداف المستهلكين بالاعلانات وهو الوضع الذي كلف شركة مثل ميتا حوالي خسارة في الايرادات تقدر بعشرة مليار دولار

صانعو الفيديوهات القصيرة “البلهاء” التي تدور حول خدع سحرية او مشاهد صادمة او مقالب، ويصورها اصحابها في البيوت وتحصل على نسبة من الاعلانات من المنصات مثل فيسبوك ويوتيوب وتيك توك، يُقدر دخلها بمئات ملايين الدولارات شهريا في الولايات المتحدة (مثلا مجموعة من اقل من ٢٠ صانع محتوى يعملون سويا في لاس فيجاس حققوا دخل خمسة ملايين دولار شهريا العام الماضي يعني ربع مليون دولار للواحد منهم في الشهر)

كل الف مشاهدة لصانع محتوى في امريكا او اوروبا تعود عليه بحوالي ٤٠ دولار ولكنه لا يحصل سوى على دولار واحد فقط لو كانت المشاهدات في دول العالم الثالث مثل باكستان.

2 سبتمبر — الشك، التوّق، الخوف، العناد، والوفاء، الحب، الولع، وغيرها من مشاعر مختلطة متقدة مضطربة هي أمتع ما تقدمه لنا رواية “ناقة صالحة” للروائي سعود السنعوسي في ١٥٩ صفحة من القطع الصغير (تُقرأ في جلسة واحدة).

الرواية التي تدور منذ نحو مائة عام بين مدينة الكويت والبادية القريبة منها في شمال شرق نجد ، لا تدور حول الصراعات القبلية بين ال سعود وال الرشيد وتحالفات ال الصباح، الخ. كل هذا في خلفية بعيدة. الرواية الحقيقية تتمحور حول صالحة وعلاقتها بالرجال الذكور الخمسة الأهم في حياتها: ابيها وابن خالتها وابني عمها وابنها هي نفسها. من تحبه، من ترغبه، من تكرهه، من تحن اليه، …. ومصير امرأة سعت في مجتمع قبلي ذكوري لتكون نفسها وهي لا تدري ماذا يكون هذا بالضبط. وصف به اشتياق وغضب وحنين واحساس بالخلاص تجاه عالم انتهى تماما، ولكن قبوره وموتاه ومظالمه، ما زالت تقيم داخل الراوي، او داخلنا.

سعيد اني اخيرا التقطت الرواية من على رف يحمل عشرات الكتب التي انتظرها وتنتظرني. في الكتب نعيش حيوات اخرى ونطور اسئلتنا ونعثر على بعض الاجابات، احيانا.

30 اغسطس — كلمتين محشورين في بقي: فيه حاجة ما مزعجة لما فيسبوك يفكرك باعياد ميلاد ناس رحلوا عن عالمنا، لكن فيه حاجة مرعبة جدا لما تلاقي اشخاص مش قليلين يقوموا داخلين على حسابات الراحلين يتمنوا لهم عيد ميلاد سعيد وكل سنة وهمه طيبين وعمر مديد وكدة ….. عالم مليان زومبي فعلا!

29 اغسطس — قرأت عدة تعليقات ومقالة عن اعجوبة السيرة الذاتية لصاحبها چاريد كوشنر، وعنوانها اللائق بغرور صاحبها وصلافته وفشله هو “تحطيم التاريخ: ذكريات البيت الابيض” والذي لم يذكر فيه انه دخل مقر الرئاسة الامريكية مستشارا مقربا لترامب لانه ببساطة زوج بنت الرئيس. لن اضيع وقتي في قراءة ٤٥٠ صفحة من الهراء، ولكن الفصل الخاص بشغله على الاتفاقيات الابراهيمية لتطبيع العلاقات بين اسرائيل والعرب يستحق القراءة بسبب التفاصيل المريعة فيه وخاصة علاقاته واتصالاته مع زعماء الخليج ومصر. غير هذا يستحق الكتاب القراءة لمن هو مازوخي النزعة او باحث في تاريخ رجال السياسة الامريكية وصنع السياسة في واشنطن. يشبه كتاب كوشنر، سمسار العقارات، ما يخرجه فوق رؤوسنا بعض رجال السياسة العرب بعد تقاعدهم (الاحياء منهم طبعا) وتضخيم دورهم وتسفيه الاخرين وتجاهل عثرات وخطايا الرئيس … ولكل هؤلاء ارتدي هذا التيشيرت وانا اقرأ؛) لانهم ينتمون لنفس الصنف ولكن دون اي مبادىء ولا رادع، مافيا خسيسة!

15 اغسطس — مصر، يعني الحكومة، بطلت اصلا تلزم المقاولين من زمان ببناء سلالم حريق في العمارات، وحتى في العمارات القديمة المشيدة قبل السبعينيات الناس صارت بتسمي سلالم الحريق الخلفية، الضرورية للهرب، سلالم الخدم وكمان بتسدها بالزبالة والمخلفات وتقفل ابوابها من تحت. وبعدين لما تحصل كارثة زي مصيبة حريق كنيسة امبابة ويموت ١٥ طفلا نبقى كلنا مذهولين ازاي ده حصل. والله ده ما بيحصلش كتير عشان رحمة ربنا وحظنا الكويس لكن انا اعرف ابراج بالعشرين دور مفيهاش سلم حريق واحد يوحد ربنا واعرف عمارة شهيرة في الزمالك استولى احد ملاك الشقق فيها على سلم الحريق وادخله في شقته وهكذا وهكذا وهكذا … سياسات فاشلة وقوانين، لو موجودة، بتكون غير مطبقة، وثقافة تواكل واهمال، وكل هذه العوامل بتخدم على بعضها وتسبب كارثة وراء الاخرى، وفي كل مرة يرجعوا يقولوا انها حادثة!!!! الجريمة عكس الحادثة لها فاعلون وما حدث في امبابة جريمة.

23 يوليو — أجازة نهاية الاسبوع تعطي الواحد فرصة يبص بسرعة على كتب واقفة في طابور الزمن تنتظر الوقت اللي ح تنقرَى فيه. النهاردة قريت 30 صفحة من كتاب الصحفي المصري رشدي ابو الحسن والصادر عن دار ميريت للنشر في القاهرة في 2021 بعنوان “٥٥ سنة صحافة، سنوات كثيرة وحصاد قليل”. يجمع الكتاب عديداً من المقالات التي نشرها أبو الحسن منذ عمل صحفيا في عام 1962 في مجلات أخر ساعة وصباح الخير. وتستحق المقالات القراءة في معظمها لأنها تؤرخ بشكل ما لما جرى في مصر وخاصة نحو 30 مقالة تتحدث عن شخصيات بعينها تضم رفاعة الطهطاوي ولويس عوض وعبد القادر القط واحمد بهاء الدين وعبد المنعم سعيد وغيرهم (كل هذه المقالات عن شخصيات تتحدث عن رجال باستثناء امرأتين) ممن كانوا مؤثرين في الستينيات وحتي بدايات التسعينيات في عالم الكتابة للطبقة الوسطى والعليا والاحتكاك بالدولة في مصر. يكتب أبو الحسن بشكل بسيط وسهل ومباشر.

المؤسف في الكتاب هو غياب واضح لأي محرر ومراجع ومنسق، ويظهر هذا في تنضيد السطور والعناوين وبعض التكرار والاخطاء الاملائية. وهناك اهمال واضح في هذا الامر منه أن الكتاب يفتقر لتاريخ نشر المقالات الواردة فيه ومكان نشرها وعلى القارئ أن يخمن هذا، بينما وقع الكاتب في خطأ فادح عندما ذكر مرتين في المقدمة أنه اعتقل في مظاهرات الخبز أو انتفاضة يناير 1975، وهو ليس خطأ مطبعيا اذ يذكر ان هذا الاعتقال تم بعد شهر من تعيينه في مجلة روز اليوسف في ديسمبر 1974 او قطع عضويته في مجلس نقابة الصحفيين بعد سنتين من بدايتها في 1973. المشكلة طبعا ان مظاهرات الخبز أو انتفاضة يناير وقعت في 1977، والكاتب أما يقصد احتجاجات سياسية غير شهيرة وقعت في 1975 وهو امر غير معروف او وقع في خطأ لم يصححه مراجع. خسارة لان مثل هذه الاخطاء تفقد القارئ الثقة في الكتاب والناشر.

الكتاب الثاني الذي يجمع مقالات صحفي واقرأ فيه عدة صفحات كل يوم بسبب لغته العربية بديعة النحت وفريدة الإيجاز هو كتاب “أوطان الأمر الواقع: مختارات من نصوص صالح بشير” وقام بإعداده للنشر عبد الله أمين الحلاق وبمقدمة رائعة ل Hazem Saghieh، وصدر عن مكتبة منشورات المتوسط. لم أكن اعرف بشير وهو تونسي من مواليد 1952 كتب في صحف السفير والحياة وأسس ورأس تحرير موقع الآوان، قبل هذا الكتاب، والذي على عكس كتاب رشدي بذل فيه المعدون جهدا واضحا في اختيار المقالات وتبويبها وتوضيح أين نشرت ومتى بدقة.

يكتب بشير في مواضيع شتى أهمها المسائل المتعلقة بالنظام الدولي السياسي ومشاكل نشأة وعمل الدولة في المنطقة العربية وخطل القومية العربية السياسي وحماقة الإسلام السياسي وتطورات القضية الفلسطينية. يكتب صالح بعمق وتكثيف شديدين يوضحان مدى اطلاعه وطزاجة أفكاره، ولكن دون غرور وتعالي. تحتاج ان تبذل مجهودا ما في قراءة جملته العربية بدقة وحرص وخاصة انه يستعمل علامات التنصيص واشباه الجمل الاعتراضية ببراعة. محزن ان رجلا كهذا توُفي قبل ان يصل عمره للستين بسنوات، خاصة وان عديدا من التحديات التي يتحدث عنها وخاصة بشأن الدولة والمعارضة وممارسة السياسة في منطقتنا ما زالت قائمة ويبدو انها ستستمر معنا لسنوات طويلة قادمة. ونقده التفكيكي الصارم لاليات ومؤسسات السياسة والايدولجيا في بلادنا ما زال طازجا ومفيدا

22 يوليو — واخيرا قرأت “والنمور لحجرتي”، روا البديعة الصادرة عن المحروسة في 2019 ولا أعرف لماذا لم يلق هذا العمل “الفشيخ” الاهتمام الواجب، مدحا وذما ونقاشا. أو ربما فاتتني هذه الحفلة عشان طوفان الروايات الحلوة والوحشة والنص نص المنهمر على رؤوسنا. يعمل النص على الزمان والمكان والواقع المحيط بنا في مصر والمنطقة غير أنه لا ينتمي لصنف رائج ومهم وهو النوستالجيا الى الماضي ومحاكمته وتفصيصه والسعي للخلاص منه من باب ان الحقيقة تخلصنا وتحررنا. “النمور لحجرتي” مهووسة بما سيجري وبالمستقبل الخارج من قلب خراب/تهاوي الحاضر المحيط، طبعا هناك الماضي والحاضر المختلطين بالمستقبل ربما في كل فصل ولكن دون حنين ومشاعر مختزلة مختصرة، ودون تشوّف وتطلع لمستقبل رائق.

هناك روايات عدة تستشرف المستقبل او تقدم الحاضر دون حنين للماضي، ظهرت فيما بعد مرحلة الهبات والثورات العربية في 2011 واحسب ان هذه من افضلها حيث نرى في احلام وردية وكوابيس دموية ما جري وما يجري وما قد يجري. يعدو ابطال الرواية ويضلون ويحلمون وينجحون ويفشلون ويقتلون ويُقتلون من القاهرة إلي نيوم عبر دهب ورجوعا لدلتا مصر وفرارا نحو معامل المستقبل البعيد (أو السحيق!) وانكفاء نحو الهة الحرب الفرعونية. عمل بديع والله. ده المدح وطبعا ممكن الواحد يشتغل فيها ناقد ويفصص بدوره حول بعض شطحات التخييل والقصص الجانبية والاحالات التراثية والامعانات الغرائبية بس دي نسيبها للناس اللي بيشتغلوا فيها:)

25 يونيو — يوم الاثنين ذُبحت نيّرة أشرف على باب جامعة المنصورة في مصر لانها رفضت الارتباط عاطفيا بالقاتل، وفي يوم الخميس قُتلت إيمان أرشيد في جامعة العلوم التطبيقية في الأردن بخمس رصاصات من جانب رُجل يُزعم انه كان يلاحقها لتتجاوب معه، وفي يوم الجمعة قررت المحكمة الدستورية العليا في واشنطن في الولايات المتحدة (باغلبية ستة منهم خمس رجال ضد القضاة الثلاثة الباقين) حرمان المرأة الأمريكية من الحماية الدستورية لحق الإجهاض المقنن في انحاء البلاد بعد عشرات السنين من اقرار هذا الحق. ما مشكلة هذا العالم مع النساء وحرية كل امرأة في اتخاذ القرار الخاص بجسدها وعواطفها وملابسها؟!

16 يونيو — عندما يلتقي اللطخ مع المنافق نحصل على درر مثل هذه

أول يونيو — ح ييجي يوم يمكن الاسبوع الجاي واحكيلكم عن الكتب اللي واخدة عقلي الاسبوعين دول وفي مقدمتهم شغل فاطمة قنديل العبقري الكئيب الحزين العجيب الغير مسبوق المبهر المقبض في كتابها “أقفاص فارغة” عن قصة حياة شاعرة في عائلة من الطبقة المتوسطة من ستينيات مصر حتى الآن، وهو ليس لاصحاب العقول الضيقة او القلوب الضعيفة، ثم كتاب سلاڤو چيجيك القديم نسبيا في ترجمته العربية عن “سنوات الأحلام الخطرة” وهو نقاش جدي يتنقل بخفة وسلاسة بين علم النفس والماركسية والتحليل السياسي والاقتصادي حول ما يجري في العالم من اضطرابات ومؤشرات على تحلل النظام القديم (كئيب بس في أمل بين السطور!!) وفي السكة هرست كتاب عن محمد بن سلمان اسمه Blood and Oil كتبه برادلي هوب وجاستين تشاك وهو كتاب صحفي معلوماتي مفزع ومرعب ولكنه يفهمك ما يجري في المملكة المذهبة من ٢٠١٥ حتى ٢٠٢٠ وصعود بن سلمان وتحولات السعودية المعقدة … ح ييجي يوم واقول اكتر بس لازم اجرى على المطار عشان اسافر اتكلم عن محاولات استنقاذ الأمل في عالمنا المضطرب مثل بركان لا تعرف اذا كان يهدأ أم يستعد للانفجار، فتظل وافقا على طراطيف صوابعك طول الوقت، وتسيطر على رأسي مقولات توفيق الدقن واستيفان روستي السينيكالية .. بس معلش، ادينا عايشين على الامل. ح اخد معايا كتاب عن الديمقراطية كتبه سبعة مؤلفون غربيون يمكن يكون عندهم فكرة نستنقذ البتاعة دي ازاي ولا ندور على طريق تالت او رابع!

8 مايو — وقالت المضيفة للراكب المجاور انه جالس جانب مخرج الطوارىء وما إذا كان يعرف كيف يفتحه اذا اقتضت الضرورة، فرد ايجابا: “آه، آه” ثم واصل حديثه على الهاتف معتذرا لمحدثه: “اسف قاطعتني المضيفة وما كنت فاهم عايزة إيه، المهم كنا بنقول ايه؟” وهكذا اقلعنا، وهكذا نقلع في بلادنا كثيرا معتمدين على رحمة الرب

28 ابريل — اسباب سقوط طائرة مصر للطيران من باريس في ٢٠١٦ غير مؤكدة بعد ولكن تكهنات التقرير الفرنسي هذا الاسبوع انها بسبب تدخين طاقم الطائرة المصري للسجائر أمر غير مفاجىء بالنسبة لي. في رحلة من القاهرة لنيويورك منذ بضعة سنوات زادت رائحة الدخان عن حدها (وقد شممت رائحة دخان السجائر على رحلات مصر للطيران قبلها مرارا) وشكوت لمضيفي الطائرة من رائحة الدخان التي تهفهف من مقدمة الطائرة، وبعد انكار شرس ونفي من جانب مضيفة ومضيف واصرار مني على موقفي، حضر رئيس طاقم الضيافة وقال لي بهدوء: حضرتك دول الطيارين ودول مصرح ليهم بالتدخين عشان مزاجهم يبقى مضبوط . وبانت على ملامحي الصدمة، وقلت له انى رأيت مضيفين يدخلون قمرة القيادة وشممت رائحة نبغ تفوح منهم بعد عودتهم، فاضاف الرجل: لا لا الطيارين بس حضرتك، وده اصلا مصرح به من الاياتا!! والاياتا حضراتكم هي الوكالة الدولية للطيران المدني. الرجل طبعا كان يكذب والطيارون كانوا يدخنون وربما المضيفين، وربنا سترها علينا لكن يبدو انه لم يسبل ستره على طائرات اخرى. نتعشم ان تكون مصر للطيران قد حظرت فعلا وبجدية التدخين وخصوصا في قمرات القيادة الضيقة

20 ابريل — قالت وهي تعطيني اياه: “انا عملته، بس ٥٦ عجوز جدا وانت مش عجوز يا بابا”، وكانت هذه اجمل هدية يمكن من ٥٦ سنة😇 ( انا فرحت مش عشان بنتي شايفة شكلي اصغر من سني — وهذا ليس حقيقيا – بل لاني اعرف ناس عجوزة عندها ٣٠ سنة وناس روحها وتصرفاتها شباب وحيوية وعندها ٨٠ سنة وندعو القادر الكريم ان نكون دائما من ابناء الفئة الثانية!)

19 ابريل — عشرات المسلمين تظاهروا في السويد احتجاجا على حرق مصحف علنا على يد المهيّج الاحمق راسموس بالودان، وهو رجل دنمركي سويدي أسس جماعة يمينية متطرفة ضد الهجرة وضد المسلمين. وادت مواجهات المحتجين مع الأمن لحرق سيارة شرطة واصابة ١٦ شرطي بجراح (وطبعا جرح واحتجاز العشرات من المحتجين).

قرأت عدة تقارير وشاهدت فيديوهات متنوعة، وتذكرت مشكلة الرسوم المسيئة والقس الامريكي الابله الذي قام بنفس الفعلة وتاريخ طويل من غضب المسلمين بسبب الاساءات الحمقاء لدينهم او لرسولهم. أفهم بل واؤيد الغضب والاحتجاج ولكن ليس العنف المجاني، ولي تفسيرات حول من أين يأتي العنف والذي هو احيانا تفجير لمخزون غضب متفاقم عند الاقليات في اوروبا لاسباب عديدة تتعلق بفشل سياسات الدمج وبالتفرقة القائمة ضد الاقليات والمهاجرين واللاجئين. وافهم ايضا ويمكني تقديم بعض تفسيرات حول اسباب تأييد بالودان وأمثاله من جانب عمال وحرفيين وفقراء او كبار سن أو حتي ابناء الطبقة المتوسطة بسبب الخوف على المستقبل الاقتصادي والاجتماعي في ضوء ازمة طاحنة. وكان من اكثر ما جذبني في كل هذه التقارير هو ما جرى عندما ذهب هذا الأفاق بالودان الخميس الماضي لمدينة جونكوبنج في وسط السويد وحاول الحديث في ميكروفون وهو يرفع مصحفا عاليا بيده (مهددا بحرقه كما يبدو). عجز مؤيدو الرجل عن سماع صوته لان قسيس الكنيسة المجاورة قرر تشغيل الاجراس باعلى صوت ممكن للغلوشة عليه، ونجح في هذا وقال انه كان يحتج على سلوك بالودان. هذه هي المقاومة التي احب في الحقيقة لانها ذكية وناجحة. وطبعا افضل التجاهل التام لهذا الاحمق والرد على اي تمادي له بالقانون (وقد سجن من قبل وطرد من عدة بلاد اوروبية بسبب تحريضه على العنف.)

هناك وقت لعبد المطلب عندما تترك البيت للرب ليحميه وهناك وقت للجوء للقوة لحماية النفس بالقدر المطلوب والممكن، وما يجري في السويد من احتجاجات للمسلمين يشبه كثيرا ما جري من قبل في اخر اربعين عاما منذ اندلاع العنف الاحتجاجي على اهانة المصحف او النبي اول مرة وذلك عقب نشر رواية سلمان رشدي “آيات شيطانية” وهو في الحقيقة لم يردع “المسيئين” ولم يمنح القرآن منزلة أرفع او يحمي النسخ المتداولة منه كما انه لم يمنع ظهور حمقي او اشخاص يعبرون عن ارائهم بشكل يزعج اقساما من المسلمين.

للبيت والمصحف والنبي رب يحميهم ولنا قضايا لا تنتهي وتتنوع من الهجرة والعمل والادماج الملائم في الشتات وحتى العيش والحرية والكرامة في الاوطان.

17 ابريل — اشفقت على سائق التاكسي العجوز المتعب في نهار حار، فلما قرر ان يفك عن نفسه بالحديث معي تجاوبت، وابتسم بعد جملتين قائلا: أكيد ح نفهم بعض، ما هو أصل احنا من جيل واحد. ولا بد انه لاحظ نظرة الاندهاش على وجهي وانا انظر ناحيته، فاكمل قائلا: يعني يا حاج يمكن طبعا حضرتك اكبر مني ب ٣ او ٤ سنين. قلت اسكت احسن لان كل واحد عمره في قلبه صحيح بس لما تيجي من العجوز ده!! يللا خير. المهم بعدها بدقيقتين واصل الحوار من طرف واحد وهو يقول: وانا طبعا سافرت المكان اللي انت بتتكلم عليه يا حاج سنة كذا وكان عمري ساعتها ٨ سنين يمكن. وبهت الذي كفر، اللي هو انا حضرتك، لان سائق التاكسي المهكع (السيارة والسائق) كان فعلا اصغر مني بثلاث سنوات. صحيح فعلا “عمر الواحد في قلبه”

(اضافة: طبعا ده بوست رومانسي فلسفي لكن لو ح نقلبها جد لازم نقول ان الراجل فعلا كان شكله عجوز عني كتير لان حياته اصعب من حياتي بكتير، بيشتغل في ظروف اصعب بكتير، وقت اطول بكتير، وشايل هموم اكتر بكتير، وان عمره الحقيقي في قلبه وده كان شباب ومليان احلام منها انه يفتح محل حلاقة ويسافر يعيش في بلد تانية ويدخل ولاده احسن جامعة ويقدر يحافظ على التأمين الصحي تبعه.)

15 ابريل — ساعات كتير الكتابات الابسط (في اللغة والتعبيرات والحواديت) تبقى كتب نقدية وفكرية وانسانية ملهمة. افتكرت ده لما قريت النهاردة الصبح بدري جدا والناس نيام المائة صفحة المؤلف منها كتاب دوريس ليسنج، “سجون نختار أن نحيا فيها”. ليسنج روائية اتولدت في سنة ١٩١٩ في ايران ولكن عائلتها الإنجليزية عاشت في روديسيا (في الجنوب الافريقي) اللي صارت زيمبابوي بعد نهاية النظام العنصري الأبيض هناك في ١٩٨٠.

الكتاب مناسب لكل شخص يعاني من التخمة الرمضانية المسلسلاتية والفيسبوكية حيث كل طرف بيزغط الناس حب الدولة (في التليفزيون) أو اننا خير أمة أُخرجت للناس (في كل حتة بما فيها في الشارع خصوصا من اخوة الوطن الصائمين) أو من التنويريين الداعين ليد حازمة ووصاية مستمرة على بقية الشعب “المتخلف”. الروائية الشهيرة قديمة شويتين عشان الكتاب طلع سنة ١٩٨٦ في جو كانت لسه مسيطرة عليه أحلام وأمال سيطرة العقل والرشادة والتسامح والنقد الشديد للشيوعية المترنحة وأصولية خوميني الصاعدة، وعشان كدة الكتاب مركز على أهمية استعادة مثل وأحلام عصر الأنوار وانتقاد اليقين ومدح الشك.

لكن ربما والآن وكلنا محاطون بفرسان اليقين المدرعين من جيوشهم الدولتية والإسلامجية والرأسمالية والعنصرية، مفيد شوية ندعم قليلا من العقل والتراحم والرشادة والتسامح والشك والحلول الوسط من أجل حل الاختلالات الفادحة في العالم بدلا من التغول المفرط للعقيدة والايمان والعنف والمال والعاطفة والمبدئية واليقين على المجالات العامة.

ومفيد نقرأ كتب زي كدة في أيام بنشوف فيها مسلسل الاختيار، وبنتابع تقدم ماري لوبان للجولة الثانية في الانتخابات الفرنسية، وتواصل العمليات العسكرية الروسية ضد المدنيين في أوكرانيا (وسوريا)، واستمرار المطحنة العنصرية النفطية الاحتلالية القمعية الشرسة اللي بتفرم اليمنيين والسودانيين والفلسطينيين والسوريين ووراهم العراقيين والليبيين، وتلمظ المنظومة الصناعية العسكرية الامريكية والأوروبيين ببرفعوا موازنات السلاح واللي ما دخلش منهم عايز يخش حلف الأطلسي، وشيطانية تحالفات أصحاب النفط والمال والعنصرية ضد الباقين منا. قراءة الكتاب مفيدة عشان نعرف ان دي مش نهاية العالم، بل يمكن رغم كل الدم والدمار والكآبة ما زالت هناك أسباب للتفاؤل أكثر من أيام الحرب الباردة القاتمة في الخمسينيات والستينيات او الحروب الاهلية الطاحنة في التسعينيات.

ومفيد ان ندعم دعوة ليسنج في أن يعود الناس وخاصة الشباب لقراءة مزيد من كتب الأدب والتاريخ كي يتعلموا ان كل هذه المذاهب والأفكار العظيمة البراقة المغرية التي تدفعهم لليأس أو العنف أو الظلم او “انقاذ” العالم غصبا عنه، هي افكار تتغير مع الوقت، بل ويصير بعضها سخيفا او وضيعا او تظهر حقيقة كيف انه كان مجرد آداة في يد نظام او سلطة.

حصلت ليسنج على جائزة نوبل وهي تقترب من التسعين وماتت في ٢٠١٣ واتحفتنا بالترجمة السلسة اللطيفة لكتابها الأديبة سهير صبري Sohair Sabry وصدر الكتاب عن دار العين للنشر – ElAin Publishing جعلنا الله من القادرين على الفكاك من سجوننا الاختيارية. #كتب_وكتابات

15 ابريل — ي عالم روايات وقصص مصورة مش واخد حقه لسه في سوق النشر الورقي والالكتروني بالعربي، وفي فئة عمرية اللي هي بين ١٣ و ١٨ سنة صار اجتذابها للقراءة بالعربية (أو القراءة بأي لغة) صعب جدا لعدم توفر ما يجذبها بعيدا عن الشاشات المتنوعة والتي تقدم محتوى أكثر تسلية وسرعة واستجابة (لكل من سيقترحون الالغاز القديمة اقترح الا يشاركوا في هذه الجولة:)

وعشان الحاجتين دول جبت كتاب دينا محمد يحي “شبيك لبيك” والصادرة أجزاؤه الثلاثة عن دار المحروسة في القاهرة في اخر خمس سنين، وعجبني جدا الكتاب بفكرته وشخصياته والتطور الدرامي والرسوم. وحبيت خالص استخدام دينا للغة العامية المصرية دون اغراق في تركيبات ومصطلحات شعبية جدا او غربية على غير المصريين. اكتر حاجة حبيتها اني متأكد ان ولادي المراهقين ح يحبوه (حصل!).عندي كومة روايات وقصص مصورة بالعربي مستنية دورها وح اقول ع الكويس منها. وده رابط كتب دينا على جودريدز https://www.goodreads.com/author/show/18579668._… #كتب_وكتابات

31 مارس — أحب القراءة في الكتب النظرية احيانا. وكنت اقرأ كتاب “الدولة” للفيلسوف الفرنسي بيير بورديو عندما تذكرت حكاية “طريفة” قصّها عليّ صديق عزيز عن مسؤول متوسط الرتبة في أحد الأجهزة السيادية. وجرت القصة عندما كان صديقي يعمل في سفارة تابعة لبلد عربي كبير وعريق في عاصمة أوروبية.

ووقعت الحكاية يوم الاربعاء حيث ينعقد عادة الاجتماع الأسبوعي لطاقم السفارة في الثانية بعد الظهر. وكان السفير يصر على حضور كل طاقم السفارة، وكان هذا المسؤول الدي ارسله جهازه “السيادي” ممثلا له في هذه السفارة يداوم على حضور الاجتماع وينتهز الفرصة للإدلاء بتحليلاته المطولة حول الوضع السياسي في البلد المضيف. وفي ذلك اليوم، كان صديقي يجلس على مقعده المفضل المواجه لنوافذ مكتب السفير الضخمة والمظللة بحيث لا تسمح لمن بالخارج رؤية من هم بالداخل. تطل النوافذ على حديقة عامة جميلة، وكان الربيع قد تفجر بعد شتاء طويل والخضرة والورود وضوء الشمس كلها تسر الناظرين وتلهي صديقي عن الاجتماع شديد الملل. وفجأة شاهد صديقي هذا المسؤول الأمني يتمشى ببطء في الحديقة ثم يجلس ويخرج صحيفة بدا من بعيد انها الاهرام ويضع ساقا على الاخرى ويشعل سيجارة.

وهم خارجون من الاجتماع، كان الرجل قادما من اخر الممر وصحيفة الاهرام (فعلا) ملفوفة تحت أبطه، والدهشة تعلو وجهه كلما اقترب من زملائه الخارجين من مكتب السفير. تساءل لماذا هم خارجون والاجتماع الاسبوعي على وشك أن يبدأ. رد الصديق: يا فلان بك، الاجتماع انتهي للتو. فرد الرجل بغضب لم يخفه: الساعة اتنين الا خمس دقائق. فنظر له صديقي مذهولا: الساعة الثالثة إلا خمس دقائق. كانت الساعة قد تغيرت في هذا البلد الى التوقيت الصيفي منذ يوم الأحد السابق أي قبل وقوع قصتنا بثلاثة أيام ولكن الرجل/المسؤول/المحلل/السيادي لم يكن قد غيّر ساعته أو انتبه لما جرى. ثلاثة أيام وهو على توقيت مغاير لتوقيت كل الناس من حوله، ولم يشعر، ما يعني أنه لم يضرب أي مواعيد في هذه الأيام الثلاثة ولم يشاهد اي محطة تلفزيون أوروبية، وربما لم يخرج من بيته او خرج ولكنه لم ينظر إلى ساعات الحائط ومؤشرات الوقت في لافتات الشوارع. جرت قصتنا قبل ذيوع الهواتف المحمولة الذكية التي تغير التوقيت اوتوماتيكيا في محل تغييرها.

وذكرني بورديو بهذه القصة لأنه كان يتحدث عن أنه حتى أكثر الناس فوضوية (بالمعني السياسي أي آناركي أو anarchist) لا يمكنه تجاهل وجود الدولة وتجاهل تغيير ساعته عندما يحل التوقيت الصيفي كما تقرره الدولة وفي اليوم الذي تقرره فيه. كان بورديو يتحدث عن سلطة الدولة واحتكارها لمهام عمومية ينصاع لها الناس والا اضطربت حيواتهم.

وهذا المسؤول يمثل بالنسبة لي عدة مفارقات مركبة فهو في الاغلب لم يكن معنيا بالبلد الذي كان يعيش فيه، لا يقرأ صحفها، ولا يشاهد تلفزيوناتها، ولا يلتقي بالناس فيها (على الاقل لثلاثة ايام متتالية) رغم ان مهمته الاساسية كانت جمع المعلومات عنها من المقيمين في هذه البلاد. وهذا الرجل او اجهزة الدولة التي يمثلها تصير هكذا ولو حتى جزئيا منبتة الصلة بالواقع والتغيرات التي تجري من حولها مصرة على البقاء في زمنها الخاص وعالمها الخاص، رغم ان صلب مهمتها هي الوعي بما يجري في المحيط العام وتنظيم العلاقات العمومية. ولبعض هذا واسباب اخري كثيرة فهذه الدول والتركيبات المعنية بحكم وسياسة بلدان عديدة في المنطقة فاشلة او في طريقها للفشل يوما ما. وذلك لأن هذا الرجل هو ومن يمثله من مؤسسات اشد فوضوية وتدميرا من أعتّى الفوضويين الذين يمكن ان يتخيلهم البروفيسور بورديو. وربما لهذا السبب فأن عنوان الكتاب اللطيف الذي اصدره فوزي منصور منذ زمان طويل وكان “خروج العرب من التاريخ” ما زال ملائما بشدة إذا كان يعني به هذه المؤسسات وتلك النخبة التي باتت منعزلة عن زمان الناس الذين يدعون انهم يحكمونهم وعن زمان العالم الخارجي.

27 مارس — ما سبب احتفاء البعض بهجوم الخضيرة الذي جرى شمال تل أبيب هذا المساء؟ وهل هو مجرد ابتهاج بانتقام أعمى من ظلم هيكلي ومستمر من جانب اسرائيل للفلسطينيين عموما سواء من أهل ٤٨ او اولئك الاتعس حالا والخاضعين لاحتلالات وحصارات متعددة في الضفة وغزة؟ هل هناك خلف هذا الدعم والتأييد أكثر من الشعور بان قليلا من الوجع لحق بالجانب الذي يهبط عليك بكل صواريخه وقذائفه مرة بعد الاخري فيقتل منك ما يقتل ويجرح منك ما يجرح ثم يمضي في حال سبيله دون حساب او عقاب لانه يضع كل سلوكه تحت لافتة العنف “الشرعي” المستحق لدولة تدعي انها تدافع عن نفسها؟

منذ الانتفاضة الثانية (المسلحة) وقبلها عندما بدأت الهجمات الانتحارية في التسعينيات لم تغير الهجمات الفلسطينية المسلحة شيئا، ولكن البعض ما زالوا يرون انها طريق وحيد “للمقاومة” ولاجبار الطرف الاخر على تغيير سياساته. أظل مؤيدا لموقف المحلل الفذ اقبال احمد وعاجزا مثله عن رؤية أي فائدة سياسية او اجتماعية تحققت للطرف الفلسطيني من هذه الهجمات وهذا النوع من العنف.

لا أرى تفسيرا لما جرى وللاحتفال به سوى ان الجميع يعاملونه بالضبط كنوع العنف الذي وصفه والتر بنجامين بانه “العنف الالهي” وهو العنف الذي يرتكبه فرد او جماعة فقط من اجل نقض وتدمير الواقع واظهار الغضب الشديد على الترتيبات المؤسسية والسياسات القائمة التي تقصيهم بانتظام وتضهدهم باستمرار، بل وتقتلهم، تحت ستار من القانون والعدالة المستند تعريفها وتفسيرها على سلطة دولة. مشكلة هذا العنف الألهي عندما يرتكبه البشر هو انه يسمح للطرف المظلوم الذي مارس العنف قليلا بأن يشعر بالتطهر ويبتهج بانه رفع اصبعه الوسطى للنظام كله ولقانونه ولسلطته عدة لحظات، قبل ان يستأنف هذا النظام الشرس اللامبالي سحقه، ونواصل نحن خارج هذا الموقف كله، حياتنا “الطبيعية”. عنف الانتقام وغسل العار وتفجير الغضب الساطع الذي لا يغير شيئا ويتلاشى أثره سريعا.

ادعو كل من سيتحدثون عن الكرامة والاستشهاد والتضحية الخ الي توفير وقتهم ووقتي فليس هذا موضوع ما اتحدث عنه هنا. دعونا ننحي قليلا كل البلاغيات التقليدية والمبادئ الانسانوية، والمداخلات الدينية، ونتحدث في السياسة والاجتماع. ما فائدة أعمال العنف المسلحة العشوائية (عشوائية بمعنى انها ليست مخططة من اجل هدف سياسي محدد وبغض النظر عن اي موقف انسانوي من استخدام العنف عموما)؟ ماذا حققت في هذه البقعة التعيسة من الارض وفي هذه الظروف المعينة؟ وماذا نجم عنها؟

24 مارس — ي اواخر الثمانينيات اضطرت صديقتي، وزوجة صديق عزيز في نفس الوقت، أن تترك عملها لفترة مؤقتة، ربما بسبب حملها آنذاك. وعرضت عليّ، وكنت بلا عمل ساعتها بعد أن استقلت من شركة مقررا ألا أعمل بالهندسة بعد ذلك أبدا، ان اقوم بعملها ثلاثة أشهر، حتى لا تضيع عليها الوظيفة.

وقد كان وصرت سكرتيرة (أو سكرتير) في شركة أفلام مصر العالمية في ٣٥ شارع شامبليون، ولا اعرف كيف نجحت في الاحتفاظ بهذه الوظيفة تلك المدة ولا اعتقد ان Marianne Khoury التي كانت تحافظ على انتظام العمل في هذا المكان وسط الجنون الفني المحيط، ستتذكرني. كنت شابا (٢٣ سنة يمكن) خجولا وصموتا (آه والله والحمد لله تغيرت). اعتقد بالنسبة لها ولجابي وللمحاسب سامح، وهم محاطون طوال الوقت بشخصيات نرجسية مبدعة وقلقة من أمثال يوسف شاهين ومساعديه، ربما لم أكن موجودا.

واضافة لحفظ الملفات وكتابة بعض الخطابات والرد على بعض التليفونات كان مشروعي الوحيد الحقيقي في العمل هو مساعدة شخص واحد عملت معه يوميا لانني كنت اكتب له على الكمبيوتر سيناريو فيلم يعمل عليه عن الخرتيّة (شباب وسط البلد في القاهرة الذين يصادقون السيّاح ويسترزقون منهم، أو ينصبون عليهم حسبما يقتضي الحال). كنت أعمل مع زكي فطين عبد الوهاب، صاحب السيناريو ومخرج الفيلم، عدة ساعات احيانا في اليوم ولوقت متأخر. وبعد ان تعودنا على بعضنا البعض (لم يكن يكبرني ربما سوى بعشر سنوات) بدأت اقترح عليه تغيير كلمات في الحوار لانها غريبة او جملة مش راكبة، وكان عادة لا يأخذ بإقتراحاتي ولكنه كان لطيفا للغاية. وفي يوم سرنا سويا حتى شارع طلعت حرب ودعاني لأذهب معه إلى بار شبرد.

كانت فترة عجيبة في حياتي ولكني وفيت بوعدي وحافظت على عمل الصديقة ولم اعد للشركة سوى بعد عامين عندما صررت محررا مساعدا للنشرة الثقافية لرويترز العربية وذهبت لمقابلة يوسف شاهين الذي مسح بي الارض يومها لاني سألته سؤالا لم يعجبه، ولكن هذه قصة أخرى.

مرت سنوات بعد هذا الصيف وشالتني بلاد وحطتني بلاد، ثم بالصدفة شاهدت فيلم “رومانتيكا” على الشاشة بعد ما صار فيلما عن الفيلم أي فيلم عن مخرج يريد ان يصنع فيلما عن الخرتيّة، واعتقد انه اعجبني انذاك، واحسست فيه بروح المكان وبصمات شاهين ويسري نصر الله من “اسكندرية ليه” وحتى “سرقات صيفية”. كان فيلما عن زكي نفسه وعن ذاته وعن عائلته الفنية الكبيرة وكيف سكنته وكبلته وكيف ربما تحرر منها. أتمنى الان لو كنت ذهبت مرات أكثر مع زكي لفندق شبرد وأماكن اخرى كان يحبها في وسط البلد، ولكننا لا نختار الوقت المناسب أبدا، فقط ننتهزه أو يمر بنا.

الف رحمة ونور عليك يا زكي.

24 مارس — اتذكر مقولتين لوزيرة الخارجية الامريكية السابقة مادلين اولبرايت، التي ماتت منذ ساعات عن ٨٤ عاما.

الأولى سمعتها بنفسي وهي جالسة مع وزير خارجية مصر آنذاك في أواخر التسعينيات #عمرو_موسى عندما ضحكت وعلقت على انتقاداته المعتادة لازدواجية المعايير الغربية في السياسة الدولية، وقالت: اي ازدواجية يا سيدي الوزير تقصد، بل للدول معايير متعددة ومعقدة وليست مزدوجة فحسب، قل لي هل تعامل مصر كل من السعودية والسودان وبوركينا فاسو بنفس الطريقة والمعايير؟

واتذكر ان موسى ابتسم قبل ان يطردونا، نحن من تلكأ من الصحفيين آنذاك، من غرفة استقبال اولبرايت في منزلها في حي جورجتاون حيث التقت بالوزير المصري بدلا من مقر وزارة الخارجية بسبب اصابة بالعظام اقعدتها بالمنزل عدة أيام.

المقولة الثانية كانت قبلها وتحديدا في مايو ١٩٩٦ عندما سألتها مذيعة في برنامج تلفزيوني امريكي شهير عما اذا كانت وفاة ما يصل لنصف مليون طفل عراقي بسبب العقوبات الدولية المفروضة بقيادة امريكية على بغداد هي ثمن معقول لمعاقبة وتكبيل صدام حسين بعد غزوه الأحمق للكويت. ردت اولبرايت بكل بساطة: “اعتقد انه خيار صعب جدا، ولكن الثمن مقبول.”

23 مارس — وقال لي صديقي اللبناني المتابع: فساد ايه اللي عايزين يقضوا عليه في مصر والعراق؟ انتم بتعملوا نفس اللي احنا عملناه سنين طويلة لغاية ما السيستيم كله انهار على راسنا. الفساد والتوزيع بين الكبار (افراد ومؤسسات واجهزة) هو نظام الحكم في بلاد كتيرة في المنطقة ومن غيره البلاد دي ممكن تقع وتخش في حارة سد وتواجه مشاكلها بجد وده مش ح يسمح بيه كل المستفيدين وكمان تمنه عالي جدا. سكت لحظتين وكمل: وفي الآخر طبعا البلد بتقع كدة كدة زي ما حصل لنا، بس بعد سنين طويلة من الحلب والسيطرة والاستنفاع والغش والكذب، وساعتها برضه التمن بيبقى عالي جدا. وبعدين ضحك واضاف: بس خليك متفائل لان بعد الصلب قيام.

17 مارس — في سنة ١٩٩٥ عرض الرئيس الإسلامي عمر حسن البشير تسليم أسامة بن لادن للسعودية، ولكن الرياض رفضت العرض خشية من ان يثير تسليمه وسجنه اضطرابات او ردود فعل سلبية في المملكة، فارسل البشير احد كبار رجال المخابرات السودانية ليتحدث إلي وكالة المخابرات المركزية الامريكية CIA ويعرض عليهم تسليم بن لادن لهم، إلا ان واشنطن ترددت وتشككت في امكانية وفاء السودان بهذا الوعد ولم ترد التورط (رغم ان الخرطوم قبلها بقليل كان قد سلم الإرهابي الشهير كارلوس إلى فرنسا ببساطة)، واخيرا حل الداهية حسن الترابي هذه المعضلة بعد حوار قصير مع صديقه عطية بدوي سفير الخرطوم في كابول واحد المجاهدين العرب سابقا في افغانستان، وفي ١٨ مايو ١٩٩٦ في الخرطوم استقل بن لادن طائرة خاصة مستأجرة مع اسرته وبعض اصدقائه وعشرين من حرسه الخاص، حملته مباشرة إلى بيشاور في شمال غرب باكستان ومنها بقافلة سيارات عبر الحدود الى مدينة جلال اباد حيث بات في حمي يونس خالص زعيم احد فصائل المجاهدين، وهناك بدأ العمل والتخطيط من اجل تنشيط القاعدة التي قامت بعد سنتين بتمويل وتنفيذ الهجوم على السفارتين الامريكيتين في دار السلام ونيروبي (٢٢٠ قتيل) ثم الهجوم على مدمرة امريكية قبالة عدن في سنة ٢٠٠٠ وقتل عدد من الجنود وصولا الى الهجوم المشهدي الضخم في نيويورك في ١١ سبتمبر ٢٠٠١ الذي قتل ٣٠٠٠ شخص وغير العالم، وقبل ان يترك السودان صفى بن لادن اعماله كلها بسرعة مما جعله يخسر وفقا لادعاءاته حوالي ١٦٠ مليون دولار وقال ساعتها ان حكومة الجبهة الاسلامية القومية في السودان خليط من التدين والجريمة المنظمة ……

ومع كل هذا ما زال هناك ناس يترحمون على البشير بصفته زعيم اسلامي وعلى الترابي بصفته رجل دين وعلم وعلى بن لادن بصفته شيخ مجاهد بينما في الاغلب استمر البيرقراطيون في السعودية وامريكا والذين رفضوا صفقة مع السودان او خافوا منها في عملهم حتى تقاعدوا بمعاشات طيبة وتأمين صحي!

14 مارس — قلت لزوجتي Tamara Al-Rifai انني عندما نظرت حولي لاعضاء مجلس الادارة الأخرين داهمني احساس غريب وربما كان لاني كنت الرجل الوحيد هناك. دون أن تضيّع ثانية واحدة وبهدوء ردت قائلة: وها قد عرفت لثوان كيف نشعر معظم الوقت!

13 مارس — عندما يقتل الرصاص صحفيا من نيويورك تايمز اليوم اثناء تغطية ما يجري في اوكرانيا بينما يكتب صحفي اخر يتثاءب على مقعده في القاهرة انه لا يجب ان نتابع اخبار الحرب من هذه الصحيفة وغيرها من الصحف “الغربية” المنحازة مثل جارديان ولوموند. ماشي يا سيدنا ح نتابع الحرب من روسيا ٢٤ والوطن والدستور وتشرين والميادين، ومن على صفحة حضرتك.

10 مارس — قاعد اقرا في كتاب Ziad Majed “الثورة اليتيمة” للمرة الثالثة وخصوصا عن اللي عمله حافظ الاسد في سوريا في السبعينيات مع الاحزاب ومع القضاء ومع النقابات ومع المثقفين وكيف فرغ كل هذه المجالات بشكل منتظم ومتصاعد مما تبقى فيها من مضمون بعد عدة سنوات من حكم البعث وكيف قضى على اي حيوية في المجال السياسي او استقلال في مجال القضاء عن طريق كثير من الترهيب وقليل من الترغيب، حتى تحول الحكم البعثي تدريجيا من بداياته على انه حكم عسكري ليصبح حكما ذا قيادة عسكرية بتحالفات وامتدادات ومصالح مع فئات ومناطق “صعدت معه واستفادت منه وكونت ثروات ومواقع نفوذ وجاه وتأثير ليس من السهل ازاحتها عنها لتحالفها مع بعضها دفاعها عن مصالحها المشتركة رغم ما قد يشوب علاقتها من تنافس وتنافر” .. وقاعد اقول ده يشبه اللي بيحصل دلوقتي فين؟ ده يشبه اللي بيحصل دلوقتي فين؟ وبعدين خفت اقول …. عشان مش عايزين نبقى زي سوريا والعراق!

26 فبراير — امريكا الامبريالية بطريقتها بعد الحرب العالمية التانية فشخت كل الاحزاب اليسارية والشيوعية التي تستطيع فشخها في فرنسا وايطاليا وطردتهم من الحكم او خططت ومولت من اجل هزيمتهم في الانتخابات، وطبعا قلبت النظم التي تزعجها مثل ايران (وحاولت في سوريا بل ومولت انتخابات بالكامل في لبنان) ومولت ميليشيات كتير في افريقيا، وطبعا امريكا اللاتينية كانت ملعب للسي أي آيه بينما الجيش الامريكي نفسه اتدخل في كوريا وفيتنام عشان يمنع تمدد الشيوعية.

ستالين واسلافه طبعا ما سكتوش، بل حاكموا وسجنوا واعدموا عديدا من زعماء الاحزاب الشيوعية في شرق اوروبا الخاضعة لهيمنة موسكو (بلغاريا والمجر والتشيك وبولندا) وأُتهم تيتو بانه عميل للامبريالية، والجيش السوفيتي دخل ساحقا اي معارضة في بودابست ١٩٥٦ وفي براج ١٩٦٨ …. طبعا مكارثي في نفس الوقت كان نازل فشخ في اي حد عنده ميول يسارية في امريكا وصلت للطرد زي ما حصل لشارلي تشابلن او الاعدام زي ما حصل لايثيل وجوليوس بتهمة تهريب اسرار نووية لروسيا.

الحرب الباردة كان ليها اليات وتقنيات وتعقيدات وشخصيات ثانوية كتير مهمة جنب الروس والامريكان، وفهمها مفيد لفهم بعض ما يجري الآن ولكن الحرب الباردة غير اللي بيحصل دلوقتي والاشارات البوتينية للينين وستالين وتاريخ الصراع والقومية الروسية هي لخبطات هيستيرية من مشروع زعيم لص قومجي وطنجي هو وحاشيته، وفي نفس الوقت الناتو والدور اللي لعبه توسعه المزعوم (والحقيقي) في منح بوتين حجج اضافية يستاهل ايضا ضرب الحذاء خصوصا وانه منذ ١٩٩١ لم يعد هناك تهديد حقيقي فعلي لما يُدعى بالغرب وحتى دخول بوتين لجورجيا في ٢٠٠٨ … ويلخص مرقعة ناتو وتشتتها ان عضوا كبيرا فيها مثل تركيا ينتقد الغزو الروسي لجاره الشمالي عبر البحر في اوكرانيا ولكنه لا يمانع في عبور السفن الحربية الروسية لمهاجمة اوكرانيا!!

ده كله ما يخليش اي شخص عاقل يقول ان الطرفين (سميهم مؤقتا الغرب وبوتين) زي بعض واحمد زي الحاج احمد واحنا مالنا يا عم. الغرب رغم كل شئ قابل للنقاش، وممكن تشتغل فيه سياسية وتعمل ضغط وتغير ولو حتى واحد في المئة، الغرب نظم سياسية مفتوحة رغم ايديولوجيتها الرأسمالية المهيمنة وسطوة صناعات السلاح، الغرب فيه مساحة للتغيير حتى لو صغيرة، لكن بوتين ونظامه ما عندهمش الكلام ده … بس كمان عشان الاخ اليساري الستاليني اللي كان نايم اخر تلاتين سنة فان بوتين ورفاقه ليس عندهم أيضا حنان ورعاية فيما يتعلق بحقوق البشر الاقتصادية والاجتماعية، همه زيهم زي الغرب، رأسماليين، بس من غير صراحة ووضوح وايضا دون المساحات المتاحة للمعارضة والنقد حتى لو كانت صغيرة. واني لافضل هذا الغرب عن ذاك البوتين. نقطة.

فخلونا بهدوء وكدة نقعد على الحيطة وما نزيطش مع الزيطة ونحاول نفهم ايه اللي بيحصل عشان لما تطرطش علينا نبقى عارفين الهم محدوف علينا منين ونتعامل معاه ازاي!

22 فبراير لدينا نحن البشر حساسية مفرطة تجاه اي محاولة اعادة قراءة شعبية أو بسيطة للتاريخ، يعني لو كنت استاذا جامعيا وكتبت رسالة اكاديمية معقدة ومليئة بالمصطلحات والاستشهادات تطعن فيها بقوة وعلم في وقائع تاريخية او دينية او سياسية معينة مستقرة بين الناس، فماشي يا معلم مفيش مشكلة، اصلا همه بتاع ميتين واحد اللي ح يقروا الكلام ده، لكن تطلع في برنامج تلفزيوني او مقالة وتقول نفس الكلام، ح تتفشخ، وطبعا هذا الشعور بتقديس التاريخ البشري وما جري فيه وتقديس فهم معين للنصوص الدينية والايدلوجيات السياسية يزيد ويزيد في وسط الدول والجماعات التي تعاني من هزائم متتالية او احساس ما بالدونية والنقص تعوضه جمعيا عن طريق شعور عميق بالاهمية والتفوق فيصبح لديها عقدة نقص/تفوق مركبة …….

هذه الافكار الفلسفية العميقة خطرت لي عندما قرأت ان حركة التحرير الجزائرية في أول ثلاث سنوات من نضالها في الخمسينيات قتلت من الجزائريين نحو ستة أضعاف من قتلتهم من الفرنسيين خلال عملياتها. طبعا الشاب اللي قاعد في اخر الصف وعايز يتكلم عن المليون شهيد اللي قتلهم الفرنسيون في الجزائر وفقا للحدوتة الثورية عايز اطمنه انه فعلا الفرنسيين كانوا اكثر دموية بكثير جدا في الخمسينيات واوائل الستينيات وكانوا ربما يقتلون عشرات الجزائريين امام كل فرنسي قتيل او جريح ولكننا هنا نتحدث عن امر اخر، ونشر غسيلنا الوسخ لا يقلل من وساخة غسيل الاخرين ولكن الواحد مهتم بهذا اكثر لان هذه هي الملابس التي نرتديها.

فكرت كمان في ده لما لاقيت مصريين وعرب مشغولين بالدفاع عن بوتين عشان ح يوري الامريكان والغرب الاستعماري الفزيع يوم اسود في مشكلة اوكرانيا … هؤلاء الاخوة والاخوات في الوطن والثقافة عاجزون عن رؤية جنون وفاشية بوتين عشان مشغولين بدموية وتراث الغرب الاستعماري. عاجزون عن الخروج من التاريخ والعيش في الحاضر. وهكذا نصل اخيرا لانجيل متى الذي جاء فيه: “يا مرائي، إخرج أولا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدا أن تخرج القذى من عين أخيك!”

20 فبراير — وفقا لبيان من دار الخدمات النقابية والعمالية المصرية انتحر اليوم عاصم عفيفي وهو عامل في الثلاثينيات وأب لثلاث أطفال يعاني من عجزه عن الوفاء باحتياجات اسرته بسبب تأخير صرف راتبه ومستحقاته من الشركة التي يعمل بها. الشركة لم تصرف راتب شهر يناير حتى الان. واحتج آلاف من عمال الشركة وتجمعوا أمامها فاطلقت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم واحتجزت ٤ منهم. يمكن الان العودة لخناقة رشدي وكريمة وعيسى والبحيري.

20 فبراير — كان القادة العسكريون الذين استولوا على السلطة السياسية في مقدمة الزعماء العرب استعدادا لتوقيع اتفاقات حل وسط مع اسرائيل وكان أولهم حسنى الزعيم، الضابط السوري الذي انقلب على الرئيس شكري القوتلي في مارس ١٩٤٩ اذ عقد هدنة مع اسرائيل الوليدة في يوليو من نفس العام وسعى لابرام معاهدة سلام شامل وقدم عرضا لرئيس الوزراء الاسرائيلي بن جوريون من خلال فريق المفاوضات السوري بدعم كامل من حكومة الولايات المتحدة، وشمل التطبيع الكامل للعلاقات بين سوريا والدولة الصهيونية؛ أي تبادل السفراء وفتح الحدود وإقامة علاقات اقتصادية كاملة مع إسرائيل، وتوطين ما يصل إلى ٣٠٠ ألف لاجئ فلسطيني في سوريا. وفي المقابل طلب الزعيم مساعدة الولايات المتحدة في تنمية منطقة الجزيرة الواقعة شمال نهر الفرات التي اقترح توطين اللاجئين الفلسطينيين فيها، وظن أن تدفق العمالة الفلسطينية والأموال الأمريكية سيساعد في تحويل بلده إلى دولة حديثة. لم يهتم بن جوريون بالعرض السوري ورفض مقابلة الزعيم الذي لم يستمر سوى أسابيع اخرى معدودة في السلطة حتي قلبه ضابط اخر تلاه ضابط ثالث حتى اتاهم الضابط الاكبر الأسد الذي هو احد كبار المسؤولين عن هزيمة ٦٧ وسقوط مرتفعات الجولان السورية في يد اسرائيل ومن ساعتها لم تنطلق رصاصة تجاه اسرائيل من الجولان ورغم هذا صار الرجل وخلفه هم زعماء الصمود والتصدي والممانعة. بئس اللغة المطواع!

20 فبراير — انتهز فوزي القاوقچي كل فرصة من اجل القتال ضد الاستعمار الاوروبي في بلاد الشام وفي كل مرة انهزم بقسوة. قاتل ضمن القوات التي انسحبت من ميسلون في اليوم الذي هزمت فيه القوات الفرنسية الملك فيصل عام ١٩٢٠، وقاد الثورة ضد الفرنسيين في مدينة حماة السورية ولعب دو ًرا أساسيٍّا في الثورة السورية بين١٩٢٥ و ١٩٢٧، كماشارك في الثورة العربية الفلسطينية في الفترة بين ١٩٣٦ و١٩٣٩، وساند القوات المسلحة العراقية ضد البريطانيين في انقلاب رئيس الوزراء العراقي رشيد عالي عام ١٩٤١، وعندما انهارت تلك الحركة فر إلى ألمانيا النازية حيث تزوج من أمرأة ألمانية، وانتظر في سكون طوال باقي سنوات الحرب. وبعد هزيمة ألمانيا في الحرب هرب إلى فرنسا في فبراير ١٩٤٧، ومنها استقل هو وزوجته طائرة متجهة إلى القاهرة بهويتين مزيفتين وجوازي سفر مزورين، وفي نوفمبر توجه إلى دمشق حيث استضافته الحكومة السورية، وخصصت له راتبًا شهريٍّا. كان السوريون غير راغبين في إرسال جيشهم الصغير إلى الحرب في فلسطين، ولذا منحوا كل دعمهم إلى “جيش الانقاذ العربي” وقسمه الشمالي بقيادة القاوقچي المهزوم في كل حرب خاضها والذي ليست لدي متطوعيه اسلحة حقيقية ولا تدريب مشترك فعلي ولا شئ سوى الحماسة والطنطنات والايمان والاستعداد للشهادة وقائد عمره ٥٧ عاما لم ينتصر في اي حرب في حياته ولم يقد جيشا نظاميا حقا من قبل.

وعلى العكس منه كان عبد القادر الحسيني، ابن القدس الذي قاد قوات جيش الانقاذ في المنطقة الوسطى والذي استغاث بالعرب في دمشق كي يعطوه سلاحا ليستعيد القسطل التي استولت عليها ميليشيات الهاجانه الصهيونية ولكن السوريين لم يعطوه سوى بنادق قديمة واهمله القائد العراقي للجيش وبالطبع لم يكن الاردن ومصر يدعموه لاسباب كثيرة، ولكن الرجل غادر ليلا وذهب بعشرات من رجاله وقاتل حتى استعاد القسطل بدعم من مئات من الفلسطينيين الذين ابهرتهم شجاعته وحنكته العسكرية فتوافدوا لدعمه. استعاد القسطل ولكنه سقط شهيدا بعد ان قال لزعماء العرب في دمشق انهم خونة وسيسجل التاريخ انهم اضاعوا فلسطين. وقد سجل.

اري ان القاوقچي كان فاشلا ومهزوما بالمعنيين السياسي والعسكري وانه كان مطية انظمة عربية متصارعة مع بعضها البعض ولكن رغم كل هذا فما زال البعض ينظرون له كبطل مثلما يغفرون لكل من حقق بعض النجاحات – او مثل لهم حلما – كل اخفاقاته (عبد الناصر اهم مثل نظرا لعظم نجاحاته وهول اخفاقاته) ولا اشعر سوى براحة عميقة ان عصر مثل هؤلاء الزعماء او قد انتهي رغم هلوسات البعض في هذه الدولة او تلك. واري عبد القادر الحسيني بطلا على عكس قريبه المفتي امين الحسيني الذي كان هو نفسه احد اسباب الهزيمة بسبب تواضع قدراته السياسية وغيرته من الزعماء الاخرين وعجزه عن تشكيل اي كيانات مؤسسية. للأسف فان امثال عبد القادر لا يصنعون في واقع مثل هذا سوى ابطال دراميين عاجزين عن حل الاسباب الهيكلية للمشاكل، يمضون لحتفهم باسمين مصممين لانهم اوفياء لمبادئهم الاخلاقية، على عكس المفتي الحسيني والقاوقچي وابو عمار من بعدهم، كلهم تسببت افعالهم او عجزهم في خسائر فادحة للقضية الفلسطينية حتى من ظل منهم يتشدق بانه مصمم على الموت شهيدا شهيدا بينما كان دوره قد تقلص إلى مجرد رجل أمن لصالح الاسرائيليين هو ومن خلفه!

هناك مصادر كثيرة عن القاوقچي والمنشور اعلانه يستند على ص ٣٢٥ – ٣٢٦ من كتاب يوجين روجان “العرب”

14 فبراير — منذ شهر قال لي Ahmad Abdulkader انه يود ان يتحدث معي حول عدة موضوعات ندردش بشأنها منذ نحو العام، ولكنه يتعافى من التهاب رئوي بعد كورونا أصابته وهو في القاهرة. رددت في رسالة سريعة على ميسينجر: “خلص الدور بسرعة واطلع من مصر على سان فرانسيسكو عشان عايز اشوفك هناك في الصيف، أومال مين اللي ح يفرجني عليها؟” ارسل ايموچي ضاحك وقال انه مشتاق للعودة لبيته في أمريكا. اتفقنا. وبعدها باسبوعين لم يتصل فارسلت له رسالتين حول مسألتين شغلتا بالي في خوارزميات الذكاء الصناعي أو AI (هو كان يفضل ان يسميه Machine Learning أو الألات القادرة على التعلم) ولكنه لم يرد. وبالامس ظهر نبأ وفاته على صفحته على فيسبوك. لم أصدق.

لم نكن، أحمد وأنا، أصدقاء مقربين، لكنه قضى ساعات وساعات بعد ان صرنا اصدقاء افتراضيين يشرح لي ميكانيزمات عمل خوارزميات فيسبوك وكيفية برمجتها وعيوبها وكيف تتطور. حكي لي مسيرة حياته المهنية من الجامعة في مصر حتى انشأ شركته الخاصة في الولايات المتحدة وكيف باعها وكيف يعمل في فيسبوك في سيليكون ڤالي في كاليفورنيا. حكيت له عن اطفالي وعن عملي، حكي لي عن بناته وعن بعض مشاريعه. بلورت له مخاوف مجموعات نقدية وحقوقية في مجال البرمجيات حيال سياسات شركات منصات التواصل الاجتماعي. تفهم بعض الانتقادات وشرح ان بعضها الاخر يتأتى من عدم فهم التحديات التقنية التي يواجهها العاملون في فيسبوك وان هناك بشرا يقفون خلف الخوارزميات، ومعلومات ناقصة، وشد وجذب، وسياسة وسياسات، ونضال من اجل تحسين سبل جعل البرمجيات قادرة على التعلم والتغيير افضل والاستجابة للحساسيات والتفاصيل الثقافية والسياسية وظلال اللغة. وهناك ايضا البيزنس ومقتضيات الربح وان كل هذه قضايا تستحق النقاش وطبعا ايضا الشد والجذب والتطوير والتشريع والتفكير.

الموضوع شديد التعقيد ويا ليته، كما كنا نضحك احيانا، مجرد نتاج مؤامرة أو خدعة كبرى، لصار الامر سهلا وحله ممكنا بسرعة، غير أنه لا شئ هكذا في الواقع، لا شئ هكذا في العالم ولا حتي في الحواسب الألية.

عدت بالأمس لقراءة رسائلنا المتبادلة وكانت الأولي في الذكرى السنوية لسقوط مبارك في ١١ فبراير ٢٠١٦ عندما بعث لي بطلب صداقة فيسبوكية لانه يريد ان نتناقش حول اشياء كتبتها، لم اكن اعرف أنه مهندس مختص ورفيع المستوى في الاحصاء والبرمجيات يعمل في فيسبوك وقبلها في شركات ضخمة في المجال في الولايات المتحدة. في أول مرة تحدثنا تبجحت بانني افهم في تلك المسائل لاني بدأت حياتي المهنية مبرمج كمبيوتر في نهاية الثمانينيات (تخيل كدة زي ما تقول لسائق سباق فورميولا ون انك سقت عربية كارو بحمار وهناك مواضيع مشتركة يمكن ان تتحدثا فيها)، ورغم هذه البداية التي لا تشبهني كثيرا في العادة، أنصت أحمد وظل دائما اسبق في أن يقول لي انه تعلم مني هذا وذاك. وبعدها صرنا نتحدث مطولا مرة او مرتين كل شهر، وكنا نتطلع للربيع القادم لنلتقي فعلا. أود لو كنت قد قلت له أكثر كم تعلمت منه، ليس بشأن الخوارزميات فحسب، بل بشأن اللطف والود والتواضع.

لم اتقبل موت أحمد بعد ومنذ الأمس وانا أتناساه، أتناسى هذا الموت، هذا الحق اللعين الذي هو ليس راحة لنا من أي شر في هذه الحالة بل طعنة غادرة وسخيفة ومفاجئة، ولا أعرف ان كنت ساتمكن حقا من القيام بتلك الرحلة إلى سان فرانسيسكو. مع السلامة وصبرا جميلا لاصدقائك الكثر.

3 فبراير — طلعت عينينا واحنا صغيرين نستمع لبكاء وحواديت مرة حول ضياع مصر بعد تولي السادات الذي انقلب على الزعيم عبد الناصر وعن سياسة الانفتاح وتفكيك الانجازات الاقتصادية الخرافية للزعيم الخالد. وعندما كان هذا المعسكر يصمت، كانت ابواق وصفوف الفئات والطبقات المؤيدة للزعيم المؤمن تنبري وبالمدفعية التلفزيونية الثقيلة وصحفيين من اول هيكل (لغاية ١٩٧٤) ثم موسى صبري وانيس منصور، وغيرهم فيما بعد كي تنبه عقولنا الصغيرة لعظمة الرئيس وقراراته الشجاعة بالحرب والسلام والرخاء والامن والامان.

كنا نحن الصبية اهدافا يومية لتدريبات غسيل المخ.

يعني تخيل يا محترم اني كنت اروح المدرسة الابتدائي الصبح كل يوم اغني “خلي السلاح صاحي” ولا بلادي بلادي واعمل تحية العلم هتافا ست مرات تلاتة منها “تحيا جمهورية مصر العربية” وتلاتة تانيين “يحيا الرئيس محمد انور السادات” وانا اصرخ بصوتي العالي (كنت عشان جسمي كبير بيخلوني اعمل تحية العلم)، وطلعونا نقف جنب شريط السكة الحديد نحيي الرئيس لما قالوا جاي المنصورة، وعرفنا انه الرئيس المؤمن وكبير العيلة وشفنا صورته باللباس (قبل منى زكي باربعين سنة) في اخبار اليوم، وانه بتاع دولة المؤسسات والعلم والايمان.

وبعدين يا مؤمن بعدها بأسبوع نروح معسكر الطلائع تبع الاتحاد الاشتراكي اللي فضل موجود يمكن لغاية اخر ١٩٧٦، وفي المعسكر بعد الفطار المتقشف يمشونا في طوابير نغني عن مصر الاشتراكية العربية الناصرية ثم نردد وراء الشباب الكبار علي لحن اغنية شهيرة لعبد الحليم في تمجيد الرئيس السادات كلمات بتقول: “عاااش عاااش، عاش اللي مات في ٢٨ سبتمبر سبعييين” ولما سألنا هو ازاي ح يعيش لما كان مات قالولنا عشان ده مش اي حد ده عبد الناصر اللي كانت مصر معاه ح تبقى قوة عظمى لولا السادات واللي عمله.

وعشان كدة استمتعت خالص باعادة قراءة الفصل الاول من كتاب صادق جلال العظم “زيارة السادات وبؤس السلام العادل” المنشور في ١٩٧٨ وهو قاعد بيوضح ازاى السادات كان الحقيقة ماشي في نفس الخط اللي رسمه عبد الناصر بعد هزيمة ١٩٦٧ المذلة.

وسيكون من المفيد ان نتأمل فيما جرى بهذه المقاربة خاصة وان النظام الحالي يمد على استقامتها خطوطا كانت قد بدأت مع نظام مبارك، فهاهو يعانق بلا هوادة سياسات اقتصادية نيوليبرالية قاسية مرعبة تقصم ظهر الطبقة الوسطى وترسل الطبقات الادني لعوالم مجهولة من الفقر المزري، وتتضح معه علنا كل السياسات الخارجية التي كان مبارك يخفيها حرجا او دهاء عن أعين الناس، وهو ايضا لا يترك مساحة ما ولو حتى شكلية مباركية للمشاركة السياسية. وربما يكون من المهم هكذا ان نحاول ان نفهم ما يجري لنا دون الوقوع في شخصنة التاريخ والسياسة خاصة لو كانت مثل هذه الشخصنة لا تجدي شيئا فربما كان عبد الناصر هو من سيوقع معاهدة السلام العادل “البائس” وليس السادات لو عاش اللي مات في ٢٨ سبتمبر ٧٠.

الراجل الشديد الذكاء انتقم لي وفشخ كل اليساريين والناصريين اللي اتكلموا عن ارتداد السادات عن الخط الوطني العروبي ومسيرة عبد الناصر، وبدراسة مدققة لتصريحات ومواقف عبد الناصر من قمة اللاءات الثلاثة في الخرطوم وصلحه مع السعودية و “المعسكر الرجعي” وقبوله لاتفاق سلام “عادل” مع اسرائيل واستعداده للاعتراف بحق الدولة العبرية في الوجود (زي ما هي دون تغيير سياساتها) داخل حدود قبل ٦٧ (عمل حديث مهم بالمعني ده مع صحيفة دي فيلت في مايو ١٩٧٠)، ودعوته للشركات والبنوك الامريكية للاستثمار في مصر واستقباله لعدد من كبار رجال الاعمال الامريكيين، ومناشدته للرئيس نيكسون بالتدخل لحل الصراع العربي الاسرائيلي، وحديثه عن اهمية المؤسسات وسيادة القانون والدولة العصرية الحديثة، ووصولا الي شن اعمال عسكرية بغرض اجبار اسرائيل على الحل السياسي (هيكل ذات نفسه قال كدة في الاهرام في عدد ٢٦ سبتمبر ١٩٦٩) مثلما فعل السادات في حرب اكتوبر.

طبعا جلال العظم برضه فشخ السادات عن حق محاسبا سياساته الخارجية حسابا عسيرا ولكن اسهامه الحقيقي في هذا الفصل كان في مد خط عبد الناصر (والهياكل والمؤسسات التي كانت تقف ورائه والنظم العربية التي تحالف معها بعد ١٩٦٧) على استقامته لنري السادات واقفا بابتسامته التمثيلية اللزجة في اخر هذا الخط. لم يختر ناصر السادات نائبا له عبثا، فقد اكمل مسيرة بدأت في يونيو ٦٧ كما ان هذه الهزيمة ذاتها كللت فشل سياسات داخلية وخارجية للنظام الناصري وخاصة على اصعدة نظام الحكم وادارة المؤسسة العسكرية وادارة الاقتصاد.

لم يحيا السادات واستمرت مصر دونه ولم يعش ناصر رغم صراخ حناجر الشباب الناصري في السبعينيات، واستمرت مصر بدونه؛ ولم يكن الاثنان بمفردهما مسؤولان عما جرى بل هناك اسباب اعمق واوسع بكثير امتدت من عصر الثاني للأول.

6 يناير — الخوف من الزيادة السكانية في مصر قديم قديم حتى ان جامعة القاهرة وشيخ الأزهر والحكومة كلهم اصدروا دراسات وفتاوي وأقروا سياسات بشأنها منذ ثلاثينيات القرن العشرين. وفي عام ١٩٣٧ اصدرت المجلة العلمية الطبية المصرية في العدد السابع من سنة اصدارها العشرين دراسة لخبير اجنبي اسمه ويندال كليلاند بعنوان “ضرورة الحد من النمو السكاني في مصر”. وحذرنا المعلم كليلاند قائلا انه بحلول عام ٢٠٣٧ سيكون عدد سكان مصر ٤٦ مليون نسمة وبحلول سنة ٢٢٣٧ سيكون عدد سكان مصر ٥٠٠ مليون نسمة وبحلول سنة ٢٣٦٢ ح يكون عدد سكان مصر مليارين واحد (بالصلاة على النبي) ثم سيضطر المصريون للهجرة لكواكب اخرى (هو قال كدة في مجلة علمية وكتاب الله) بحلول عام ٣٠٠٠ .

حكاية ان المشكلة في مصر هي بسبب النمو السكاني (بس وبشكل اساسي) اشتغالة من زمان خالص وانكتب فيها كتب كتير توضح اصلها وفصلها ومنين جات وليه. المهم الاشتغالة دي بتخلي عدد السكان هو سبب الفقر وبالتالي بتخلي الحكومة والناس المسيطرة على البلد (على الارض والفلوس والقوانين) تلوم الناس الي بتخلف والفقراء على فقرهم بدل ما تبص بشكل اساسي على السياسة والسياسات والتفاوتات الاجتماعية واسباب النمو السكاني والتوزيع الظالم تماما للموارد الطبيعية للبلاد.

حل مشكلة الفقر والتفاوتات في الدخل والثروة يبدأ من ازاي الحكومة بتصرف الفلوس اللي بتاخدها مننا ومن الارض دي والضرايب بتتاخد من مين واكتر من مين وبتروح فين، والارض مين اللي مسيطر عليها ومين اللي محروم منها. لما ينفع نتكلم في ده يبقى ساعتها نتكلم بالمرة عن مساعدة الناس ماديا وثقافيا واقتصاديا وسياساتيا في منع او تنظيم الحمل مش ان سياستنا تبقي تحميل الفقير مسؤولية اكبر (ساعتها بالمناسبة مش ح يبطل يجيب عيال بالضرورة وتزيد مشكلة التشرد واطفال الشوارع و و و و )

لما مشكلة الفقر تبقى الفقير ح يبقى الحل بعد شوية التخلص من الفقير مش التخلص من الفقر.

بس حكومتنا العظيمة مسكت خلاص اول طريق الحل، وخلاص ما دام ح يتحرم الناس اللي ح يخلفوا زيادة عن اللزوم من السلع المدعمة ببتاع خمسين جنيه للنفر في الشهر (والا كام يا مصيلحي؟) والحكومة العظيمة بتاعتنا حطت الموضوع في دماغها زي الكباري والطرق يبقي خلاص وعلى سنة ٣٠٠٠ احفاد احفادنا مش ح يضطروا يهاجروا كوكب تاني زي ما نصحهم مدحت صالح وح يفضلوا هنا يرازوا في بعض، والله كريم فعلا.

3 يناير — ثبت فشل تجربة كبار مسؤولي المنظمات الدولية السابقين في السياسة واليكم اليوم استقالة حمدوك في السودان (بعد ان تخلى عن حلفائه السياسيين لصالح العسكر المهيمنين) وفرار الرئيس اشرف غني في افغانستان (هرب تاركا فريقه ومستشاريه في القصر يوم دخول الطالبان كابول) ورحيل البرادعي في مصر (لم يجرؤ على العمل بالسياسة فعلا حتى عينوه ثم فر من المعمعة التي لم ير نذرها وهو نائب الرئيس!).

يجب وضع قانون يحظر على موظفي المنظمات الدولية السابقين العمل بالسياسة، رجال مذهلين بسذاجتهم وحماقتهم التي تدفعهم للدخول في مواقف صعبة ثم افتقارهم للشجاعة اللازمة للخروج منها بنزاهة. وربما يُغفر لهم لو كتبوا ذكريات صريحة عما جرى.

أول يناير — الجنة من غير ناس ما تنداس .. وكذلك الارض.

لا شعور اقوى ولا أغنى من الحب وهو يحتاج لمحبوب، ولا أشقى من الوحدة المستمرة حتى لو كنت متصالحا مع ذاتك.

والاخرون هم الداء ولكنهم، وحدهم، هم الدواء.

#العب_باولو_كويلهو_يوم_في_السنة

كاتب، صحفي، مصري، بتاع حقوق انسان، وموظف اممي سابق، ومستشار في الاعلام والتجهيل والحفر والتنزيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *