المدونة

لا بد من تغيير الطاقم وتجديد البرامج وعمل الوكالات

نُشر في موقع الجمهورية في ٦ يناير ٢٠٢٥

بينما كان غير بيدرسن، المبعوث الأممي إلى سوريا، يغادر سجن صيدنايا المهجور قرب دمشق، بصقت امرأة باتجاهه وألقت حذاءها على سيارته، في إشارة تعبِّر عن احتقار وازدراء عميقَين في الشرق الأوسط. قبل سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول (ديسمبر)، لم يكن بيدرسن معروفاً بدفاعه العلني عن حقوق الإنسان أو بمشاركته في أي حوار جدّي حول الانتقال السياسي في سوريا.

أظهرت لقطات بثَّتها قنوات محلّية المرأة وهي تصرخ: «أين كنتم طيلة 13 عاماً؟ تأتون الآن بعد أن قُتل الجميع؟ اخرجوا فوراً من هنا!».

ربما لم يتمكن بيدرسن وفريقه الأممي من تحقيق الكثير خلال ست سنوات من توليه المنصب، ولكن هذا بالضبط ما يستدعي من الأمين العام للأمم المتحدة تعيين فريق جديد لسوريا. الخطاب الدبلوماسي لبيدرسن عن الحاجة إلى الانتقال السياسي والمصالحة وإعادة الإعمار لم يُقنع السوريين الذين لم يجدوا فيه، أو في كلماته، أي مصداقية. دعوته لإجراء انتخابات حرة ونزيهة في بلد لم يشهد عملية كهذه منذ عقود طويلة بدت جوفاء، وأظهرت افتقاره للفهم السياسي للواقع الجديد في بلد أطاح للتو بنظام دام أكثر من خمسين عاماً وكان متجذراً في القمع الشديد والمحسوبية والطائفية والفساد.

حان الوقت لرحيل بيدرسن. ربما كان هذا الدبلوماسي النرويجي الاختيار المناسب لمرحلة الجمود السياسي في سوريا منذ 2018، حيث اكتفى بمراوحة مكانه بينما كان الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيون يفرضون السيطرة على مساحات واسعة من سوريا عبر ارتكاب جرائم حرب هائلة، بما في ذلك القصف العشوائي بالبراميل المتفجرة. لكن تلك الحقبة انتهت. الانتقال السياسي الحالي يستلزم أفكاراً جديدة وخبرات مختلفة من فرق الأمم المتحدة، إذا أرادت لعب دور ذي معنى في تحقيق التوازن بين المصالح المحلية والإقليمية والدولية المتنافسة في سوريا.

تغيير القيادة الأممية في دمشق وتعيين شخص أكثر ملاءمةً قد يكون هدية عيد ميلاد متأخرة من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للشعب السوري، بما في ذلك المرأة الغاضبة التي بصقت وألقت حذاءها، والتي ورد أنها كانت في صيدنايا للبحث عن شقيقها وأبناء عمومتها المفقودين. هذا السجن سيء السمعة تصدَّر شاشاتنا خلال الأسبوعين الماضيين، مع الإفراج عن آلاف المعتقلين والمعتقلات من زنازينه المروّعة ومن مراكز اعتقال مماثلة في سوريا بعد سقوط الأسد. ومع ذلك، ما يزال هناك أكثر من 100,000 سوري وسورية يُعتقد أنهم مفقودون، وربما قُتلوا أو أُخفوا قسرياً على يد النظام أو الجماعات المسلحة.

بينما قد يدَّعي كبار مسؤولي الأمم المتحدة في سوريا أنهم بذلوا كل ما بوسعهم تحت حكم نظام الأسد الإجرامي، إلا أنهم في الواقع غالباً ما ساهموا في تمكين هذا النظام بذريعة أنهم، باعتبارهم منظمات حكومية دولية، ملزمون بالتعامل مع «الحكومة الشرعية» ذات السيادة.

طوال سنوات، أقام العاملون الدوليون في برامج الإغاثة التابعة للأمم المتحدة في فندق الفورسيزونز بدمشق، ما أثار انتقادات واسعة وعزلَهم عن بلد تعاني فيه الغالبية العظمى من السكان من فقر مدقع وجوع. كما أن اختيارهم لهذا الفندق سهَّل مراقبتهم من قبل أجهزة المخابرات المختلفة في البلاد. لكن سوريا دخلت موسماً جديداً الآن، ومعه يجب أن تنتهي حقبة الأمم المتحدة في الفورسيزونز. 

على الأمم المتحدة أن تعود إلى نهجها من خلال تغييرات زلزالية مماثلة، كما حدث في أفغانستان عام 2001 أو العراق عام 2003، حينما نشرت فرقاً أكثر خبرة ووعياً سياسياً وكفاءة لقيادة الملفات السياسية والتنموية والإغاثية.

معظم وكالات الإغاثة في سوريا إما اخترقها عملاء سابقون للنظام أو تقودها كوادر أممية عليا تجنَّبت، في أفضل الأحوال، مواجهة الحكومة، أو تواطأت، في أسوأها، مع الديكتاتورية المتداعية. كثير من مسؤولي الأمم المتحدة لا يحظون بثقة الشعب السوري أو بمصداقية الخبراء الذين أمضوا سنوات في مراقبة برامجهم وسياساتهم. وتشير تقارير إلى أن بعض هذه الوكالات تورَّطت في قضايا فساد من خلال صفقات استفاد منها النظام وأعوانه.

برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، على سبيل المثال، لا سيما في السنوات الأولى من الانتفاضة الشعبية في سوريا، خضع للنظام السوري، ما أدّى فعلياً إلى حرمان المناطق التي تسيطر عليها المعارضة والمحاصرة من قبل قوات النظام من المساعدات الإنسانية. إذ أصبحت المجاعة، والحرمان من الإمدادات الطبية والاحتياجات الإنسانية الأساسية الأُخرى، وتدمير المدارس والمستشفيات، وقتل الكوادر الطبية، أسلحة حرب منتظمة في سوريا، استخدمها النظام بشكل أساسي، وكذلك الميليشيات المعارضة.

وفقاً لتقرير تقييم صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: «لم تكن وكالات الأمم المتحدة على استعداد للمخاطرة بعملياتها في سوريا عبر اتخاذ موقف أكثر صرامة مع الحكومة … [وهو موقف] سيُنظر إليه بشكل سلبي بلا شك في وقت لاحق». نحن الآن في ذلك الوقت اللاحق.

يجب أن تستند المواقف والإجراءات المستقبلية للأمم المتحدة إلى تقييم شامل لدَور وكالات الإغاثة في سوريا منذ 2011. تُعد هذه العملية ضرورية لأي منظمة ذات مبادئ لتتعلّم وتتحسّن. وحتى يتم إجراء مثل هذا التقييم التفصيلي، يجب استبدال القيادة الأممية بالكامل في دمشق بفريق جديد غير مرتبط بسنوات التواطؤ مع النظام. تواجه الأمم المتحدة مهاماً شاقة في سوريا، تشمل دعم انتقال سياسي بقيادة سوريّة، وإدارة عملية إعادة الإعمار، وتيسير العودة الآمنة لملايين النازحين واللاجئين. وبناءً على ذلك، يجب على جميع موظفي الأمم المتحدة مغادرة فندق الفورسيزونز في أقرب وقت ممكن، للتفاعل المباشر مع الشعب الذي يُفترض أنهم يخدمونه، خاصةً مع تغيّر الموسم في سوريا.

كاتب، صحفي، مصري، بتاع حقوق انسان، وموظف اممي سابق، ومستشار في الاعلام ووسائل التواصل