Blog

  • Home
  • Uncategorized

١٨ سبتمبر — “وتقدم (جدي) نحو المسجد، وما كاد يخطو بضع خطوات حتى ظهر رجل وراء الباب الكبير إلى اليمين: لم يكن في حالة طبيعية، وكان يمسك بسلاح. وقبل أن يستطيع أحد أن يبدي أي مقاومة، أطلق النار. لم يره جدي أبدًا. وكان على بعد مترين من القاتل، فأصيب برأسه، فانهار وقد انتشرت عمامته على الأرض. لم أتبين فوراً ما قد حدث خلال اللحظة التي كانت تبدو دهراً كاملاً، بقى القاتل جامداً غير قادر على الحركة…وفجأة استدار وفر هارباً. انطلقت في أثره داخل المسجد. وفي الوقت الذي انطلق مسرعاً، رأيت من طرف عينيّ كل اصدقاء جدي يهربون في كل اتجاه. ما زلت أراهم، هؤلاء الكبراء وأعيان الدولة وهم يخفون وجوههم ويفرون كأنهم عجائز مذعورات. ستبقى هذه الصورة محفورة إلى الأبد في ذاكرتي اكثر من صورة القاتل، لأنها إلى حد كبير برهان أكيد دائم على ضعف الولاء السياسي وسرعة زواله.” — الملك حسين (عاهل الأردن ١٩٥٢-١٩٩٩) يصف لحظات اغتيال جده الملك عبد الله (عاهل الاردن ١٩٢١-١٩٥١) على مدخل المسجد الاقصى يوم الجمعة ٢٠ يوليو ١٩٥١ على يد مصطفى شكري وهو فلسطيني من القدس كان يعمل خياطاً. المصدر كتاب “مهنتي كملك” من وضع فريدون صاحب جم ونُشر عام ١٩٧٥ بالفرنسية وترجمه للعربية غالب عارف طوقان، ص ٣٩.


١٣ سبتمبر — في صيف ٢٠١٨ استمعت لحواراعن ايران واسرائيل والخليج في معهد ابحاث في عاصمة اوروبية. يجلس الناس ويتحدثون بأريحية مقابل عدم البوح باسمائهم وصفاتهم والمكان والتاريخ بالضبط. كنت مجرد مستمع صامت. الباحثون الامريكيون والاسرائيليون ومعظمهم مسؤولون سابقون ينظرون الى المنطقة من منظور معاداة ايران وتأمين اسرائيل لان هذا يضمن لهم استقرار المنطقة واستمرار تدفق النفط. وفي ذلك تصطف في جانب واحد اسرائيل وكل دول الخليج وعلى الجانب الاخر العراق وسوريا وبعض اليمن بينما هناك دول تجلس على السور لاسباب تخصها او لعجزها أو لعدم اهميتها مثل مصر والاردن او لانها منتقصة السيادة مثل لبنان. (هذه تحليلاتهم باختصار).

المهم باحث امريكي – كان مسؤولا سابقا – قال ان بن سلمان كان يفضل ان يرسل حقائب نقود لتمويل اضطرابات بين الايرانيين من اصول عربية في خوزستان في غرب ايران ولكنه ربما يعرف انه لو فعل هذا ستلعب طهران بشكل اقسى في المنطقة ذات الاقلية الشيعية الكبيرة في شرق السعودية، ولهذا فضلت الحكومة السعودية عموما ومع مرور الوقت تعميق اكبر للعلاقات مع اسرائيل وهي علاقات امنية ودفاعية قائمة فعلا وتشمل أيضا البحرين والامارات، والبحرين (وفقا للمسؤول) لا يمكن اعتبارها دولة حقيقية ذات سيادة بسبب تبعيتها الشديدة واعتمادها على السعودية والى حد اقل الامارات ماليا وامنيا (انا شخصيا اختلف معه ومع الاسلوب التحقيري الذي اتبعه عموما ولكنه كناية مهمة عن تعامل الفكر الجمهوري الامريكي مع دول بعينها في الخليج).

وتلاه مسؤول مخابرات اسرائيلي رفيع سابق قال انه لو امتلكت إيران قنبلة نووية (وهذا لن يحدث وفقا له) ستفقد اسرائيل قوة الردع التي تميزها في المنطقة وستصبح مثل شمشون اقرع، نزعوا شعره النووي. ولكنه استبعد حدوث هذا مشيرا الى أن ايران كانت حقا تلتزم بالاتفاقية النووية مع امريكا واوروبا حتى الغاها طرمب وان الصراع الان صراع تقليدي يدور حول النفوذ في العراق وسوريا واليمن ولبنان: “ولذا يجب ان تتسع الجبهة المناوئة صراحة لإيران” عن طريق تعميق العلاقات الاستراتجية القائمة مع الامارات والسعودية و”لدينا مع المملكة علاقات دفاع واستخبارات عميقة وتعمقت اكثر في عهد اوباما.”

ربما يكون الباحثون هنا يتحدثون عن امانيهم وتفضيلاتهم للعالم ولا يحللون مجرد وقائع (معظم الباحثين هكذا) ولكن من المهم ان نرى كيف ينظر هؤلاء الجالسون في الطرف المتحكم في علاقات القوة الى الاطراف الاخرى … الينا.


١٠ سبتمبر — اللي بيكرهوا ويعادوا ان الانسان يكون عنده حقوق عموما (او بعض الحقوق خصوصا) علشان ح تأثر على مصالحهم او افكارهم عن العالم عندهم كدة طرق معتادة ومكررة في الدفاع عن مواقفهم. ادي شوية منهم:

١- الموضوع ده مش بتاعنا وما يتفقش مع ثقافتنا ولا قيمنا ولا اخلاقنا: ربنا خلق الناس طبقات، او يعني لو قتل اختك مش ح تعدمه، أو يعني يخلف ست عيال وعايز الدولة تعلمهم، او الست غير الراجل وانت سيد العارفين، او ربك اللي قسم الارزاق، او العين ما تعلاش على الحاجب، او هو عمره كدة مهما عملنا مستشفيات، او ده شعب جاهل وما يجيش الا بالجزمة …. الخ الخ الخ

٢- طبعا احنا مع حقوق الانسان وفق الدستور والقانون والقضاء المستقل وروح بلغ الشرطة ان حصل لك تحرش، واعمل مذكرة في النيابة العامة اللي هي مستقلة واديك شايف، وكمان القضاء لا سلطة لأحد عليه فروح ارفع عليهم قضية الخ. ٣

– طبعا احنا مع حقوق الانسان وحكم القانون لكن وضعنا الحالي (والحالي ده طبعا عمره ما بيقى ماضي) لا يتحمل ولابد من اللجوء لاجراءات استثنائية لمواجهة الارهاب وللتخلص من تراث التعديات الطويل على القانون والاراضي والتسيب واخلاق القرية والمؤامرات الخارجية (الايرانية لو انت في السعودية والامارات والاسرائيلية لو انت في مدرج الدرجة التالتة والجزائرية لو انت في المغرب)

٤- ولو فشل كل اللي فوق، يقول لك امشي من هنا يا روح امك بدل ما اجيبلك البوليس يا خاين يا ديوث يا خول يا عميل يا ابن الوسخة يا ارهابي يا شيعي يا داعشي (حسب نوع الحوار والحق) … او على رأي مسؤول كبير سابق زهق من حوار ممل على عشاء بارد فقال للي حواليه: “حقوق انسان، حقوق نسناس، ما ليش دعوة انا.”

وطبعا إن الناس يكون عندها حقوق دي حكاية بتبدأ من الناس نفسها، حتى فكرة ومعنى ونطاق الحقوق كلها حواديت بتتخانق عليها الناس وبتعمل لها قواعد وقوانين عرفية ورسمية، وبتعدلها، وبتظبطها مع قيمها او قيمها بتتغير مع الوقت، وكل ده بيحصل بالتجربة والخطأ والخبط والرزع ومع الزمن والعنف، والاهم انه بيحصل في السياسة وبالسياسة لان المصالح والحقوق حاجات داخلة في بعضها.وكل ما كان سوق السياسة مقفول زاد الخبط والرزع بين الناس وطال الزمن لغاية ما الناس توصل لاتفاقات.والخناق ده مفيش منه مفر ودور السياسة ان تخلي خسائره اقل ما يمكن. لان مثلا حق الكل في حد ادني من الصحة والتعليم معناها ضرايب اكبر على اللي معاه وارباح اقل .. وحق الكل في الكلام معناها انك ح تسمع حاجات لا تسر احيانا. وحق الواحد في عقيدته شكله بيزعل ناس من عقائد تانية وهكذا. مفيش أي حق الكل فيه بيخرج كسبان الا فين وفين في اخر المشوار لان كل حق لبعض منا معناه تنازل من البعض الاخر. وفي وسط الخناقة دي بتظهر الطرق اللي اتكلمنا عنها فوق كلها. ولما الحوار بيكون جد مش طق حنك بيوصل سريعا للموقف الرابع وخصوصا لو حوار سياسي، واحيانا طبعا، وخصوصا في بلاد بعينها، بيوصل الحوار علطول بعدها للموقف الخامس وساعتها بتلاقي نفسك يا مقتول يا في السجن يا الاتنين.


٦ سبتمبر — هناك مثل شعبي مصري يقول: “الجري نص الجدعنة” وفي قول اخر “نص المرجلة” يعني ان هروب الواحد وفراره من مواجهة خصوم او اعداء يمكن أن يكون سلوكا ذكيا بل وشجاعا ولا يعيب “ذكورية” الواحد أو صلابة الواحدة. لم افكر في المثل كثيرا حتى قرأت مقالة ديفيد جريبر التي ينتقد فيها بوضوح فكرة “الثبات عند اللقاء” مثلما ينتقد فكرة قبول الإذلال والخضوع في نفس الوقت. وينتهي جريبر في مقاله لعدة افكار عبقرية منها أن المتنمرين والبلطجية في حياتنا العامة واليومية يستمرون في غيّهم وظلمهم وفجرهم لأن قسما لا بأس به من المشاهدين والمتفرجين معجبين في داخلهم بهذه القدرة على ايقاع الأذى كما انهم سيمصمصون شفاههم ويتحسرون على الضحية الأضعف لو ظل يتلقى اللطمات الفعلية واللفظية في ساحة القتال بينما سيتهمونه بالجبن لو جرى بعيدا عنها، وفي الحالتين سيبحثون احيانا عن سبب تلقيه الضربات (“هو ايه اللي وداه هناك؟ هي كانت لابسة كدة ليه؟ الخ)

فسر المقال لي سبب خوفي وكراهيتي واعجابي (في نفس الوقت) ببلطجي مدرسة ام المؤمنين الابتدائية في المنصورة منذ اربعين عاما، وافتتاني بصديق سابق كانت ابرع خصاله هي القسوة الهائلة على الاخرين (وعلى ذاته احيانا) منذ ثلاثين عاما، واعجاب كثيرين في البلد التي اعيش فيها الان بالديكتاتور العراقي صدام حسين وولع كثيرين في مصر بسيّر الفتوات وخاصة المفترين منهم.

انتهيت من قراءة المقال وانا اسمع على اذاعة البي بي سي مقتطفات من مقالات للديمقراطيين والليبراليين الامريكيين تنتقد طرمب لانه وصف قتلى الحروب واسراها بانهم خاسرين وجبناء. طبعا هم يتحدثون عمن قتلوا وهم يقاتلون ولكن ماذا عمن قتلوا لانهم حاولوا الفرار ورفضوا المشاركة او استسلموا للأسر؟ ما مشكلة هؤلاء بالضبط وهم يرفضون المشاركة في حروب مجنونة. ادرك الالمان قيمتهم فاقاموا نصب “الجندي الهارب المجهول” ويستحق جنود عرب (في حرب العراق على ايران مثلا وغيرها كثير أو حرب بشار على شعبه) نصبا مثل هذا. طرمب عموما على اي حال مثل جيد على هؤلاء المتنمرين المرضى في الاساس والمدعومين من مشاهدين كثّر. طرمب الذي لم يدخل حربا قط مثله مثل كل هؤلاء المتفرجين على الحروب وعلى افلام البورنو، مغرمين ومولعين بتشجيع البطل المفتري السيئ ولا يهتمون بمصير الطرف الاخر الا لو افسد عليهم متعة المشاهدة وقرر الهرب وتأجيل المواجهة او رفضها كلية، أو المقاومة. وكل الخيارات الثلاثة خيارات مقبولة في عرف جريبر وفي عرفي وعلينا فقط ان نفهم سياقاتها.

اليوم فقط افهم لماذا الفرار “نص المرجلة أو المجدعة”.جريبر، الذي رحل عنّا منذ ايام قليلة قبل ان يكمل عامه الستين، انثروبولجي امريكي ومقاوم صلب ولمّاح بشكل مذهل. اسمعوا سؤاله: “ليس السؤال الذي يجب طرحه هو لماذا الناس قساة في بعض اﻷحيان، أو حتى لماذا قلة من الناس عادة ما يكونوا قساة (كل الدلائل تشير أن الساديين الحقيقيين هم أقلية متناهية الصغر من تعداد البشر)، بل السؤال هو كيف أنشأنا مؤسسات تشجع هذا السلوك؟” ولماذا هناك انطباع أن القساة يلاقون الإعجاب أو على الأقل يحوزون على تعاطف مماثل للأشخاص الذين يتنمرون عليهم.بقية المقالة عن التنمر والمتنمر والضحية والمشاهد في الرابط التالي (وشكرا ل Mada مدى مصر على الترجمة العربية : https://mada25.appspot.com/…/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8…/…وهذا هو الاصل الانجليزي https://thebaffler.com/salvos/bullys-pulpit


٣ سبتمبر — من أهم ما قرأت عن السرطان وعلاجه في مصر وكيف يمكن ان يتعامل الواحد او الواحدة منا مع الاطباء دون خوف من سلطتهم او قلق زائد على حالته، الف سلامة ليارا سلّام وتعيش شجاعتها وقدرتها على الكلام الواضح والصريح والمفيد لكل من تعانين من سرطان الثدي او السرطان عموما في مصر وغيرها. وادي رابط حكايتها عن نفسها ودكاترتها وتحليلاتها … https://talkingpersonal.blogspot.com/…/blog-post.html…


٣ سبتمبر — لماذا لجأت محاميات للشبشب لعقاب زميل محام؟ قامت بهذا محاميات سيدات في محافظة المنيا في صعيد مصر وأمام مجمع المحاكم في المدينة، وانهالت السيدات بالشباشب والاحذية والصفعات على المحام ولم تكتفين بالابلاغ عنه بسبب أنه، كما يزعمّن، نال من سمعتهن في فيديو نشره على وسائل التواصل الاجتماعي. ربما كانت الشباشب على رأس الرجل هو الحل الاسرع لنساء تعرفن القانون ودهاليزه المسدودة، وخاصة امام من تعانين من التحرش والتنمر والتعنيف، وبعدما رأين ما يحدث لوعود الدولة المغرية بالتبليغ والشهادة والتي بعدها لا ينجو الشهود بالضرورة من الحبس بل والشاكيات انفسهن احيانا. الشباشب مؤشر على انفتاح باب اليأس من القانون وسيادته، بابا كان مواربا وخلفه تساؤلات معلقة حول استقلال القضاء وسيادة القانون في البلد. الشباشب عموما هي البديل الاخف حيث بات كثيرون يلجأون لوسائل اكثر دموية وعنفا تأسياً بالشاعر أبو تمام الذي عاش في مصر بعض الوقت واكد لنا من اكثر من الف سنة ان “السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ” وفي هذا يصير الشبشب أحنّ من السيف لا شك.رابط حادث الشباشب https://www.mobtada.com/details/963758%D9%82…


٣١ اغسطس — قام عمال اسرائيليون بكتابة شعارات السلام بالعربية والانجليزية والعبرية على جسد الطائرة البوينج ٧٣٧ التابعة لشركة العال لتقوم بأول رحلة مدنية علنية مباشرة بين اسرائيل والامارات اليوم، وبذلك تدشن بداية تطبيع العلاقات بين البلدين. اسفل الشعارات يوجد اسم الطائرة وهو كريات جات وهي بلدة اسرائيلية قامت في اوائل الخمسينيات وتوسعت على انقاض قريتين فلسطينتين هما عراق المنشية والفالوجة على بعد ٣٠ كيلومتر شمال شرق قطاع غزة.

الرحلة ثلاث ساعات وعشرون دقيقة وحلقت الطائرة فوق السعودية التي سمحت بالرحلة على الأغلب بعد طلب امريكي حيث يجلس على متن الطائرة السيد جاريد كوشنر، زوج بنت الرئيس طرمب ومستشاره لشؤون الشرق الاوسط. الطائرة تقل ايضا وفد امني واقتصادي وسياسي. وزير المالية الاسرائيلي توقع ان يرتفع التبادل التجاري القائم بين البلدين الى نحو ملياري دولار ثم يقفز بسرعة الى ٥ر٦ مليار دولار ويركز على مجالات الاستثمارات المالية والتجارة والسياحة والصحة.

حلقت الطائرة فوق تاريخ طويل من العداء العلني بين الخليج واسرائيل ولكن حملتها رياح تاريخ ليس اقصر بكثير من التعاون بين الحكومات كانت بداياته ربما في الستينيات عندما ساعدت اسرائيل الحكومة السعودية في نقل اسلحة لقوات الامام اليمني في مواجهة قوات مسلحة مصرية ارسلها عبد الناصر هناك في اطار مواجهته الشاملة مع “النظم العربية الرجعية”. الطائرة حلقت ايضا على ارتفاع شاهق فوق ملايين العرب الذين ما زالوا ينظرون الى اسرائيل ككيان مغتصب وقوة احتلال ونظام عنصري يقوم يوميا باذلال قرابة سبعة ملايين فلسطيني بين النهر والبحر .هناك لا شك ملايين العرب غير المهتمين وهناك طبعا الاسلاميون وهم اقسام كثيرة أهمها: سلفيون يتبعون مبدأ التقيّة الشيعي (ولا مؤاخذة يا سلفلف بتعملوا زي الروافض!) وسيدعمون الامير المتغلب طال عمره، وقواعد ودواعش واخوان ومحافظون سيكرهون اليهود من باب العداء الديني لما يسمونهم “أحفاد القردة والخنازير” واسلاف “خيبر وبني قريظة”. ولكن هناك قطاعاً ضخماً من النخب يؤيد الخطوة الاماراتية، وهذا القطاع الاخير هو نفسه يعيش على ارتفاع شاهق فوق معظم شعوبهم، بل يعامل بعضهم شعوبهم مثلما تعامل اسرائيل الفلسطينيين الى حد ما.

ستصبح اسرائيل كيانا قائما ومستمرا في المنطقة وربما لمئات السنين ولكن ما لن يستمر ويستحيل ان يستمر هو الاذلال والحكم العنصري الاسرائيلي للفلسطينيين إلا اذا تخلصت اسرائيل من خمسة ملايين فلسطيني موزعين بين معازل الضفة الغربية وداخل اسرائيل (سيبوا الاتنين مليون بتوع غزة على جنب عشان حماس ممكن في النهاية تقبل بدولة كسيحة شبه مستقلة وتتولى اخضاع السكان هناك مثلما تفعل اجهزة السلطة الفلسطينية الامنية في الضفة).كان التخلص من هذه الملايين ممكنا لو كنا في عام ١٩٤٨ عندما هُجّر سكان عراق المنشية وقامت كريات جات التي ابتلعت الفالوجة ايضا، ولكن هذا صار مستحيلا لفلسطيني الداخل وشبه مستحيل لفلسطيني الضفة.يمكن ان يواصل الاسرائيليون والاماراتيون الطيران على ارتفاعات شاهقة ويسمح لهم السعوديون والمصريون بعبور المجالات الجوية ولكنهم سيضطرون للهبوط في نهاية المطاف.


٢٧ اغسطس — واخيرا شفت “أماكن السهر” لعمرو دياب وهو بيتمتع رايح جاي على الشاطئ في الساحل مع دينا الشربيني وبيعملوا حاجات مفروض انها مسلية وظريفة وكدة. يعني فيديو يزهق جدا. وانا الحقيقية مش بضين جدا يعني باسمع تلات دقات وبنت الجيران ومش ح اطلع عين الناس اللي بتحب اغاني الساحل والجونة وكدة.

بس من ساعة فيديو عمرو دياب ومجموعات الشباب والشابات فيه والعربيات الدفع الرباعي على الشاطئ وانا بيلح عليا فيلمين بالذات: فيلم “الملعونون” لفيسكونتي من انتاج ١٩٦٩ عن انهيار وتحلل الطبقة الصناعية الالمانية الغنية واستسلامها للنازي الذي يركبها ويمزقها بكل معاني العنف والجنس والابتذال ثم فيلم “سالو: ١٢ يوم في سدوم وعمورة” للعبقري باولو باسوليني في ١٩٧٥ عن تحلل طبقة الاغنياء واندماجها مع ممارسات الفاشية في ايطاليا.

العنف الجسدي الشديد في الفيلمين اقل بكثير مما ارتكبه النازيون والفاشيون في الحقيقة، ولكن التحلل في حالة فئات واسعة من اغنياء منطقتنا التعسة هو المعادل الموضوعي لتحلل النخب الحاكمة من اي التزامات موضوعية او حد ادنى من الحفاظ على مفاهيم دنيا للعدالة والتضامن ومؤسسات القانون. حياة “أماكن السهر” بضينة ومملة وتافهة ولكنها تفاهة الشر البزرميط المدمر كأعصار يكسح كل شىء.


٢٦ اغسطس — في كتابه عن طفولته “مذكرات قرية” يقول استاذ القانون والمحامي والمفكر القومي عصمت سيف الدولة ان اهل قرية الهمامية كانوا يستعملون “الكلمات ذات الدلالات الجنسية ببساطة وتلقائية … كما يفعل شرّاح المذاهب الشرعية … بالفاظ لا تقل صراحة وصدقا عما يكتبه الاطباء في مراجعهم المتخصصة في التشريح وامراض النساء والامراض التناسلية، إلا أي تعبير عربي فصيح او دارج يدل على الاتصال الجنسي بين الرجل والمرأة … (فيحل محله) لفظ “سخمطة” فيقال انه هو سخمطها هي. وهي تقول أنه سخمطها.” ص ٥٥.

سخمط/سخمت هو اسم الهة فرعونية قديمة بشكل اللبؤة ولها حتى الان دلالة جنسية عندما تطلق على المرأة ويقول سيف الدولة ان اللفظ كان يطلق على النكاح في عصر الفراعنة.ما لم يقله سيف الدولة ان الإله رع عندما غضب من البشر ارسل لهم الآلهة سخمت (أو سخمط) والتي كانت احد تجليات الالهة حتحور، ومعروف عنها الولع بالانتقام وسفك الدماء، فكادت ان تقتل كل البشر لانها تعشق شرب الدم، فخلق لها رع بحيرة من البيرة (الجعة) حمراء اللون فاقبلت عليها تشرب حتى سقطت سكرى وانقذ بذلك بقية البشر.

لم نكن نحتاج علم النفس اذن لنركب كل هذه العلاقات بين غرائز الجنس والموت والعنف بل اضاف المصريون كلمة “السخام” للدلالة على الزفت والهباب. عموما من عصر الفراعين ومن يوميها طبعا والغلابة من المصريين والان الغلابة من العرب رجالا ونساء بيتسخمطوا باشكال مختلفة، سيف الدولة نفسه بيحكي عن قمع الضباط والعسكر الاتراك والمصريين لثورة صغيرة في الهمّامية انتهت باجلاس عشرات الرجال على خوازيق. عايزين حد يعملنا بحيرة عصير بطيخ احمر عشان سخمت تحل عن ط***ا في هذه المنطقة كما يقول اهل بلاد الشام.


٢٤ اغسطس — الانتخابات البرلمانية في مصر خلال شهور والطامعين بأول حملاتهم المبتكرة ومنهم نائب حالي يبشر اهالي الدائرة بافتتاح سجن جديد وعلى احدث طراز وسط منطقتهم سيوفر عليهم السفر لمحافظات اخرى لرؤية ذويهم المعتقلين ويمنحهم فرصة الحبس قريبا من الاسرة. وكمان السجن وفر عقود بالملايين والنائب الحالي ساهم في توفير الاعتمادات. يلخص الرجل بدعايته وصوره امام مبنى السجن الجديد في سوهاج بصعيد مصر حال البلاد والمواطنين (اقصد الرعايا) واهو من ناحية سجن ومن ناحية منفعة، وعلى ضهرها تنور وعلى بطنها تنور. ولا نقلل، للمأساة والاسف، من اهمية ان يكون السجن في مصر قريبا من عائلات المساجين حيث سيوفر عليهم الاف الجنيهات مصاريف انتقال وعشرات الساعات من السفر والوقت الضائع، ولكن كم سجنا اضطرت حكومة مصر ان تبني منذ ثورة يناير وبكم واين ولمن ولماذا؟ يمكن للسيد النائب ان يسأل في البرلمان ولكني اشك ان يفعل مثلما اشك ان هناك برلمانا يمثل الناس.


١٩ اغسطس — يحل #اليوم_العالمي_للعمل_الإنساني اليوم. وهو مثل ايام اخرى كثيرة اقرتها الامم المتحدة والمجتمع الدولي لا يهتم بها كثيرون ولكن اليوم بالنسبة لي مسألة شخصية لانه جرى تكريسه بسبب تفجير مكتب الأمم المتحدة في العراق ومقتل ٢٢ شخصا من عمال الإغاثة من بينهم رئيس البعثة سيرجيو فيرا دي ميلو في مساء ١٩ اغسطس ٢٠٠٣.

كنت هناك متحدثا باسم الأمم المتحدة في ذلك اليوم.بعد الانفجار بنحو ساعة ونصف، كنت واقفا بجوار عمال انقاذ يسعون لاخراج سيرجيو المحتجز تحت كتل خرسانية عندما عرفت انه يحتضر . كنت واقفا في ساحة انتظار السيارات يتخلل انوفنا وافواهنا وملابسنا دخان واتربة بينما تسيطر على المكان روائح الدم والموت واحتراق اسلاك الكهرباء والحديد المنصهر واحتراق اللحم البشري. كان الدخان ما زال يصعد من أحد زوايا المبنى بينما اختفت الجثث والمحفات والجرحى الذين أخذهم جنود أمريكيون في مدرعاتهم. وحده سيرجيو ظل تحت الأنقاض حيًا بعض الوقت مع احد زواره. نجا الزائر وخرج على محفة مبتور الساقين بينما احتضنني زميل كيني وهو يبكي قائلا: “لقد مات سيرجيو. لقد مات.”

تطوعت في هذا المساء وقد تعلقت ارواحنا في مكان لا نعرفه وتخدرت مشاعرنا، بزيارة كل المستشفيات الممكنة في بغداد ونقل الزملاء من الجرحى القادرين على المغادرة إلى مقار اقامتهم في فنادق متعددة. تمكنّا أيضا ليلتها وفي الصباح التالي من طمأنة بعض أهالي الجرحى الذين تعين بقاؤهم تحت العلاج مستخدمين هاتف ثريا. كان هناك عدة زملاء لم تكن أماكنهم معروفة ولذا بحثا عنهم أيضا في بعض المشارح. لحسن حظنا لم نجد جثثا بل عثرنا على شخص أو اثنين منهما مصابين في مستشفى أو آخر. لم يبد لنا الأمر ساعتها مخيفا أو خارقا او تعبيرا عن شجاعة فائقة. لم نكن نتأمل. لم نكن نشعر. سيكون هناك من الوقت وقتا كثيرا بعد ذلك لمشاعر الندم والخوف والذنب والحيرة والاكتئاب والغضب والحزن والحداد.

وصلت الى بغداد للمرة الأولى بعد الغزو الأمريكي بشهر واحد تقريبا وتحديدا في ١١ مايو ٢٠٠٣ متحدثا صحفيا باسم برنامج الغذاء العالمي. سقط صدام سريعا وتهاوت قلاع جيشه الخشبية المتآكلة بفعل ١٢ عاما من العقوبات الاقتصادية الشرسة التي نفذتها منظمات اممية وفي مقدمتها برنامج الغذاء العالمي نفسه تحت وصاية مجلس الأمن وبهيمنة امريكية. لم يكن لدى الرجل أسلحة الدمار الشامل التي أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش وكبار مساعديه انها ستنشر سحابات من الغبار الذري والغاز الكيميائي والجراثيم البيولوجية في المنطقة وتهدد امن العالم. كان صدام يهوّش وكان بوش يكذب. وربما كان كلاهما يعلم حقيقة موقفه وموقف الاخر، ولكن بالتأكيد كانت الأمم المتحدة وكبار مسؤوليها يعرفون حقيقة الأمر لأنهم كانوا ينفذون في السنوات السبع السابقة برنامج النفط مقابل الغذاء في انحاء العراق ويديرون فرق تفتيش عن أسلحة الدمار الشامل لم تجد شيئا يذكر.

ونفذ المندوب السامي الامريكي بول بريمر، الذي كان يدير المرحلة الانتقالية في العراق، خططا خرقاء في البلد المحتل. فكك الأرعن عديم الخبرة، بعدة قرارات حمقاء غير مدروسة، حزب البعث وحرم أعضائه من ممارسة السياسة ولم تكن هناك من قوى اجتماعية او سياسية منظمة سوى القوى الدينية الشيعية والتركيبات العشائرية في معظم العراق إضافة الى القوى الحزبية الكردية المنظمة جيدا سياسيا وعسكريا. وسريعا ما ملأت تنظيمات مسلحة مدفوعة بايدولوجيا القاعدة والسلفية الجهادية فراغ تمثيل السنة الذين كانوا يسيطرون بشكل ما على السلطة في بلاد صدام. وانفتح حمام دم.

كان انفجار بغداد نهاية عقد التسعينيات الطويل؛ عقد الاحلام الكبيرة الضخمة الفاشلة بعد ختام الحرب الباردة، عقد أحلام التدخل الإنساني المسلح من اجل الدفاع عن حقوق الانسان وإيقاف المذابح الكبرى والتطهير العرقي في بلدان مثل يوغسلافيا المفككة. كان مقتل زملائي ال ٢٢ فاتحة رسمية للدخول لعصر جديد من الحرب الدائمة وغير المتكافئة مع إرهابيين لا يلتزمون بقواعد القانون الدولي وقانون الحرب الذي كانت الدول تنتهكه على أي حال ولكن بحساب وتحت قواعد للردع المتبادل، وصارت المنظمات الدولية أهدافا مشروعة وتوقفت محاولات محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب بعد ان صار الامريكيون وحلفاؤهم مشتبه بهم في ارتكاب هذه الجرائم هم أنفسهم. وحاولت الامم المتحدة وتحديدا الأمانة العامة بقيادة آنان استنقاذ سمعتها في المنطقة في تلك الفترة، وخاصة في العراق حيث كان ينظر اليها منذ أوائل التسعينيات بصفتها شريكا فاعلا في الحصار الدولي ضد العراق ووكر للجواسيس. وحضرت عدة اجتماعات مع زملاء اخرين يعملون على أنشطة الاعلام الأممية في الدول العربية. وحضر آنان أحد هذه الاجتماعات وتحدث عن سبل إعادة التأكيد على حياد المنظمة وحمايتها عن طريق اظهار استقلاليتها. ولكن الوقت كان قد فات وسريعا ما سيطرت المقاربات الأمنية على عمل الامم المتحدة في المنطقة وفي بقية انحاء العالم وباتت إجراءات الامن الصارمة المكلفة والتي تباعد أكثر وأكثر بين موظفي الامم المتحدة وبين المجتمعات التي يدعون مساعدتها او حمياتها امرا طبيعيا.وفي النهاية لم تعترف الامم المتحدة في تحقيقاتها الداخلية بشأن الانفجار سوى ببعض القصور في اجراءات الأمن من قبيل تغطية زجاج النوافذ بعازل يمنع التشظي عقب الانفجارات واستقال مسؤول امني كبير بينما تم تنزيل رتبة موظف اخر وتحويل اثنين للتحقيق، ولكن جزء كبيرا من الاخفاق الحقيقي كان في السياسات وفي الوقوف كتفا بكتف مع واشنطن اثناء فرض العقوبات على العراق او مع الجيش الامريكي بعد غزوها.

كتبت كثيرا عن هذا اليوم من قبل والمنشور اعلاه مقتطفات من مقالة حديثة كتبتها عن ذلك اليوم يمكن قرائتها على موقعي khaledmansour.org#بغداد#الأمم_المتحدة#فندق_القناة)


١٨ اغسطس — متحدث الخارجية السودانية اليوم اعلن ان بلاده قد تعقد اتفاق سلام مع اسرائيل قبل نهاية العام. وهذا ما اعتقد:

١- الهدف من التطبيع إنقاذ اقتصاد السودان من تدهور متسارع. ويعتقد سودانيون أن رفع اسم السودان من هذه القائمة سيفعّل قرار الرئيس السابق باراك أوباما برفع العقوبات، ويفتح الباب أمام استثمارات أجنبية ودعم مالي وشطب قروض وتعويضات مالية ضخمة محكوم بها ضد الخرطوم.

٢- يأمل سودانيون بأن يؤدي التقارب السوداني- الأميركي المأمول من طريق تل أبيب، إلى التخلص من تعويضات بمليارات الدولارات قضت بها محاكم أميركية ضد الحكومة السودانية بسبب تورطها في دعم تنظيم القاعدة، في تفجير السفارتين الأميركيتين في دار السلام ونيروبي عام

1998. ٣- قضت محكمة استئناف أميركية وأيدتها المحكمة العليا بتعويضات تقارب 4 مليارات دولار لعائلات وضحايا تفجير الحادث الذي قتل 224 شخصاً وجرح المئات معظمهم غير أميركيين.

٤- ولكن الإدارة الأميركية لا تستطيع التدخل وتعليق حكم قضائي وإيقاف قرار صادر من أعلى محاكم في البلاد.

٥ – وحتى مع رفع الولايات المتحدة للعقوبات فان الشركات الخاصة ورؤوس الأموال الأجنبية المطلوبة لن تأتي بسهولة وخاصة الان في ظل انكماش دولي، كما لن تتمكن الولايات المتحدة من شطب ديون مستحقة لمؤسسات التمويل الدولية وقائمة طويلة من الدائنين.

٦- ستظل هناك أسباب هيكلية أهم، تبقى رؤوس الاموال الأجنبية بعيداً من السودان وهي غياب الاستقرار السياسي والاقتصادي والتضخم الجامح. في هذه الظروف، الاستثمار الوحيد سيكون في الصناعات الاستخراجية في الذهب والنفط وهي استثمارات لا تخلق فرص عمل أو مطاعم الوجبات السريعة مثل كنتاكي، فرايد تشيكين، وبيتزا هت، التي افتتحت فروعاً لها في الخرطوم.

٧- السودان لا يصدر اي شىء إلى إسرائيل ولن يحصل منهم على شيء يذكر من الاستثمارات المالية او التقنية. مؤيدو التطبيع يتوهمون أنه مدخل ملكي إلى امريكا وارى في النقاط السابقة ان هذا ليس بالضرورة صحيحاً.

٨ – القضية الفلسطينية بالمعنى القديم فقدت الكثير من مكانتها كأداة للحشد وكاهتمام أصيل لدى السودانيين لأسباب عدة منها تاريخ استخدام القضية الفلسطينية في العملية السياسية السودانية وسياقه، فعلى مدار 30 عاماً من حكم نظام الإنقاذ الاخواني/العسكري، كانت مسيرات “نصرة فلسطين” الخيار الأمثل للإسلاميين لجمع قاعدتهم الجماهيرية.

٩- يحتاج السودان الكثير من إسرائيل، أو يتوقع الكثير مما لا يحتمل أن تقدمه إسرائيل، ولو كان عدد قليل من السودانيين القوميين والإسلاميين واليساريين يدعون إلى عدم المصالحة جرياً على أبيات معروفة للشاعر المصري الكبير أمل دنقل، فإن أقلية ضخمة تحور القصيدة قليلاً وتقول: “لا تصالح إلا لو منحوك الذهب”، ولكن المعضلة أن الذهب قد يكون مجرد وعد لا يتحقق أو سراب، وأن مشكلات السودان الاقتصادية في الحقيقة أعمق بكثير من أن تحلها أطنان من سبائك الذهب.

لقراءة مقالتين كتبتهما في هذا الصدد اليك الروابط https://khaledmansour.org/…/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8…/https://khaledmansour.org/…/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8…؟/

كاتب، صحفي، مصري، بتاع حقوق انسان، وموظف اممي سابق، ومستشار في الاعلام والتجهيل والحفر والتنزيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *