المدونة

كيف نستعيد السيطرة على حياتنا من قبضة السوشيال ميديا وتطبيقات الإنترنت

نُشر في ٦ اكتوبر ٢٠٢٢ في موقع المنصة

وصل عدد اشتراكات الهواتف المحمولة في مصر هذا العام إلى 95 مليونًا تقريبًا، بينهم حوالي 60 مليون مشترك يستخدمون الإنترنت عن طريق الموبايل. هؤلاء الملايين لديهم القدرة على مشاهدة تيك توك ويوتيوب وتصفح فيسبوك وتويتر واستخدام خرائط جوجل ومحركات البحث.

هذا تطور هائل وطيب حدث على مدى السنوات الماضية في العالم كله مع اختلاف النسب، فإسرائيل وتركيا والخليج العربي يتفوقون في المنطقة بينما تأتي الدول الأفقر في الذيل.

ويعني هذا أن أغلبية سكان المنطقة، والعالم، باتوا يحملون قدرات جديدة وهائلة في جيوبهم، أو في أيديهم أمام أعينهم وهم يسيرون في الشوارع أو يستقلون المواصلات أو على المقاهي. يحدق الناس في شاشات هواتفهم، يشاهدون عليها مقطع فيديو مثيرًا، أو خبرًا عن فضيحة سياسية، أو هدف كرة قدم للاعب مفضل، أو أغنية لمطربة شهيرة، ويحددون أي سوبر ماركت سيشترون منه أي منتج، ويغضبون على شيخ بعينه، ويناصرون فريقًا يحبونه، ويوزعون اللايكات والامتعاضات.

هذه إمكانيات عظيمة حررت الناس من سطوة قنوات التليفزيون المحدودة والصحف المملوكة للدولة، أو لعدد محدود من أصحاب رؤوس الأموال المتحالفين عادة مع النظام الحاكم. ولكن من تستخدمه يستخدمك هو الآخر، ومن تطلب منه خريطةً للذهاب لصديقك في شبرا، يعرف أنك قادم من حلوان، وأنك بحثت هذا الصباح عن أحدث ماركات اللابتوبات، وأنك فتحت تطبيقًا لتعرف سعر تذاكر الطيران لدبي.

هذا الموبايل وتطبيقاته المتعددة يحتفظون بكل هذه المعلومات لاستخدامها مبدئيًا في توجيه الإعلانات إليك، ثم في عشرات الأغراض الأخرى، منها الدعاية السياسية وتشكيل الرأي العام والحشد.

يصرخ العديد من المستخدمين، غربًا وشرقًا، أن الشركات والمنصات الكبرى تستخدم بياناتنا الخاصة في أغراض لا نعلم عنها شيئًا، فيبتسم المحامون وموظفو الإدارات القانونية في هذه الشركات الضخمة وهم يشيرون إلى توقيعات المستخدمين الإلكترونية، وموافقتهم على اتفاقيات استخدام التطبيق.

كلنا نوقع على هذه الاتفاقيات من أجل استخدام جوجل أو سبوتيفاي أو نتفليكس، عشرات الصفحات التي لا يقرأها أحد، وإن قرأها فلن يفهم أغلب المصطلحات القانونية التي تحمي في العادة تصرفات الشركة، وتخولها حق استعمال البيانات التي ندلي بها طواعية في أغراض متعددة.

كيف ننجو من الشركات؟

ما الحل إذن من أجل ضمان ألا نظل رهينة في يد هذه الشركات التي يمكنها، إلى حد كبير، تشكيل وجهات نظرنا في العالم، وتحفيز رغباتنا في التسوق، لصالح ماركات معينة ومنتجات محددة، والتأثير على تفضيلاتنا في اختيار مرشحي الانتخابات أو تحديد موقفنا من التطعيم ضد كورونا؟ ما الحل عندما يكون لهذه الشركات عشرات الممثلين على موبايلاتنا في شكل تطبيقات بينما لا يمثلنا أحد على هذا الهاتف الكامن في جيوبنا والمتلصص على حيواتنا طوال الوقت؟

هناك حلان: التنظيم الحكومي عن طريق قواعد وتشريعات، والتنظيم الأهلي عن طريق لجان مستقلة أو مشتركة مع هذه المنصات الكبرى.

ويعاني التنظيم الحكومي، وخاصة في منطقتنا، من أن معظم الحكومات لا تريد في الأغلب من الشركات سوى أن تقاسمها هذه البيانات والمعلومات، أو التقنيات الحديثة، أو أن تحصل عليها عنوة.

مثلًا، أدانت محكمة أمريكية الشهر الماضي موظفًا سابقًا في تويتر بتهمة التجسس لصالح السعودية وإرسال البيانات الشخصية للمعارضين في المنفى إلى بدر بن عساكر، وهو أحد مستشاري ولي العهد محمد بن سلمان، الرجل المتهم، على الأقل سياسيًا، بأنه وراء مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقچي.

وأصدرت شركة ميتا، المالكة لفيسبوك، منذ عدة أيام تقريرًا قامت به منظمة مستقلة حول سياساتها خلال الاحتجاجات الفلسطينية واسعة النطاق، وخلص التقرير إلى أن سياسات الشركة “كان لها تأثير سلبي على حقوق الإنسان بالنسبة للمستخدمين الفلسطينيين، من حيث حرية التعبير وحرية التجمع والمشاركة السياسية وعدم التمييز… وأن المحتوى العربي تعرض لتطبيق مفرط (للقواعد)” مقارنة بالمحتوى العبري(*). 

ووفقًا لمنظمات حقوقية، تراقب أجهزة الأمن الإسرائيلية فيسبوك وتمطر الشركة بآلاف الطلبات من أجل حذف محتوى فلسطيني تدعى أنه تحريضي، مما يؤدي في نهاية المطاف لانتهاك حق الفلسطينيين في التعبير والمقاومة السلمية.

وهناك طبعا مساعٍ قضائية غير منطقية تصدر فيها محاكم جزئية في مدن عربية أمرًا الزاميًا لشركات مثل يوتيوب ونتفليكس وهي تعلم، أو لا تعلم وهي داهية أكبر، عجزها الكامل عن إنفاذ مثل هذه الأحكام، سياسيًا وقانونيًا وتكنولوجيًا.

كلنا مستهدفون

المنع والحظر الحكومي قدرة مقتصرة على حكومات دول كبرى ونافذة، مثل الصين والولايات المتحدة وأشباههما، أو كوريا الشمالية! ويظل هناك بعض التنظيمات الجيدة الواعدة في أوروبا وصراع مستمر من أجلها في بلدان ومناطق أخرى، ولكن التنظيم الحكومي مع شركات عابرة للحكومات أو القارات يستلزم تدخلًا دوليًا ما صعب المنال.

أما التنظيم الأهلي والضغط المجتمعي فما زال أمامه طريق طويل، وهو يستهدف عادة التأثير على الحكومات من أجل استصدار تشريعات وقوانين ملزمة للشركات العابرة للحدود والقارات.

والهدف من قواعد وإجراءات وقوانين التنظيم هذه ليس إطلاقًا منع استخدام بياناتنا الشخصية تجاريًا وسياسيًا بالكامل، فهذا غالبًا مستحيل، ولكن تنظيم هذا الاستخدام، والإعلان عنه، ومنح الحق للمستخدم في إيقافه.

ويمثل الدخل من الإعلانات المعتمد على استهداف قطاعات من المستهلكين بفضل معرفة بياناتهم الخاصة، القسم الأهم من دخل هذه الشركات التجاري، وهو أمر يتأثر كثيرًا بالتنظيم والتشريع الحكومي.

عندما يعلم جوجل أنك في إيطاليا بفضل خدمات تحديد الموقع، تنهال عليك إعلانات المطاعم في المواقع المجاورة، وعندما تبحث عن معلومات عن اليمين الإيطالي المتشدد سيطالعك فيسبوك وتيك توك في الأغلب بأفلام وبوستات عنهم، ويعني هذا أنك ستواصل التصفح ومشاهدة الإعلانات المجاورة على نفس الصفحة.

هذا الاستهداف هو ما يسعى له المعلنون، وما يؤمّن للشركات صاحبة المنصات دخلها من الإعلانات الذي يقدر مثلًا بثلاثين مليار دولار لشركة يوتيوب في 2021، بينما يُتوقع أن تحصد شركة تيك توك 12 مليار دولار إعلانات هذا العام، وهو أربعة اضعاف ما حققته في العام الماضي.

وهكذا، فدون الإعلانات سيكون من المستحيل على هذه الشركات الاستمرار في تحقيق أرباح هائلة، وسيتعين عليها البحث عن مصدر دخل آخر. وربما تكون هناك حلولًا وسط من قبيل أن المستخدم الذي يريد الاحتفاظ بكل بياناته، وعدم استخدامها من جانب الشركة والمعلنين لديها، هو أن يدفع هذا المشترك مقابلًا ماديًا مباشرًا للخدمة بعد حد أدني من الاستخدام المجاني.

سيكون من المهم أيضًا إجبار الشركات على مسح كل البيانات بعد فترة معينة من تخزينها، وليس الاحتفاظ بها للأبد، أو على الأقل التصريح لمالكيها بحق مسحها.

على كل الشركات أن تقبل طواعية وقريبًا التخلي عن سلطاتها المطلقة على المحتوى، وأن تسمح للمستخدمين، أفرادًا ومنظمات، بالمشاركة بشكل ما في تحديد سياسات المحتوى وسياسات استعمال المعلومات الشخصية وإمكانية وجود خيارات أخرى، ممكنة تقنيًا واقتصاديًا، من أجل نظام حوكمة جديد ومختلف لهذا العالم الافتراضي الذي بتنا نعيش فيه أكثر من نصف حياتنا.

وحتى هذا الوقت، على الحكومات لعب دور مهم وحيوي يتعين القيام به من أجل حماية مصالح ناخبيها، طبعا نتحدث عن الحكومات التي أتي بها ناخبون أصلًا، والتي تستهدف إخضاع من هم تحت سيطرتها من السكان، مواطنين أو مُحتلين، بهدف السيطرة والتحكم!

ما دون ذلك، ستظل هذه المنصات والتطبيقات الكبرى تحتل حصريًا الموبايلات التي نحملها في جيوبنا بينما هي في حقيقة الأمر تحملنا بين أصابعها، وتشكل لحد مرعب رغباتنا، وتطلعاتنا السياسية، وقيمنا الاجتماعية، والأهم من هذا كله بالنسبة لهذه الشركات ومساهميها، هو أنها تخلق قوائم مشترياتنا وتحقق أرباحًا طائلة هي ومساهميها على حسابنا!  


(*) كاتب المقال عضو في مجلس الإشراف المستقل على محتوى منصات ميتا، وهو المجلس الذي أوصى بإجراء هذا التقرير.

كاتب، صحفي، مصري، بتاع حقوق انسان، وموظف اممي سابق، ومستشار في الاعلام والتجهيل والحفر والتنزيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *