المدونة


“عاش اللي مات .. عاش”: هذه اغنية محفورة في رأسي منذ صيف ١٩٧٦ عندما كانوا يجبروننا نحن الاطفال الصغار على السير في طوابير صباحية مبكرة قبل الافطار في معسكرات الشباب في حلوان (كنت في العاشرة وملتحق بالمعسكر بصفتي عضو في تنظيم الطلائع في الاتحاد الاشتراكي). لم اكن افهم ساعتها كيف يعيش من مات .. ما خلاص مات. ثم ان الاغنية عملها عبد الحليم حافظ نفاقا وتزلفا للسادات “زعيم الحرب والسلام” في ١٩٧٣ والراجل كان لسه عايش. ولكن تدريجيا فهمت ليه الشباب الناصريين اللي كانوا مدورين المعسكر اختاروا الاغنية دي بالذات عشان يركبوا على الحان بليغ حمدى كلمات تقول: “عاش .. عاش اللي مات .. في ٢٨ سبتمبر سبعين” وهو تاريخ وفاة الزعيم “الخالد” عبد الناصر، الاب الذي تيتم شعبه بسبب رحيله المبكر عن ٥٢ عاما.

يردد المشرفون الكلمات الغريبة باصواتهم الخشنة من أثر التدخين ونردد ورائهم بسرسعات اطفال بسبب بقايا النوم وجوع ما قبل الافطار، ونفكر: ماشي يعيش اللي مات بس ممكن نفطر، ممكن كنا ننام شوية اكتر بدل الطوابير العسكرية اللي عايزة تحيي الموتى دي.

والان شكرا ل #الجزائر ول #بوتفليقة انني صرت افهم تلك الاغنية وقيمتها الرمزية والهوس المرضي لاولئك الشباب المفجوعين بموت الاب الزعيم القائد وكون عبد الحليم الذي غنى له كثيرا يغني الان للقائد الجديد، للزعيم المؤمن.

فهمت الان بسبب الاغنية القبيحة الخارجة من أفواه جنرالات ورجال اعمال فاسدين وبقايا جبهة التحرير العاجزين جميعا عن ايجاد مخرج يضمن استقرار المداخيل والريع والفساد وعدم المحاسبة على الجرائم.

بعد نحو ستين عاما على الاستقلال اعتقد ان النظم والنخب الحاكمة في العالم العربي لم تقلد النظم الاستعمارية في مساراتها الامنية واحتقارها واذلالها للشعوب فحسب بل صارت تتفوق عليها.

مات اللي مات وعاش الناس و #يسقط_بس

 https://www.youtube.com/watch…

كاتب، صحفي، مصري، بتاع حقوق انسان، وموظف اممي سابق، ومستشار في الاعلام والتجهيل والحفر والتنزيل

One Comment

  1. #يسقط_بس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *