٣٠ يوليو –– اختبار الذاكرة وتاريخ زعماء العالم ليوم الجمعة: (الصورة من قمة عام ٢٠٠٠)
١- من هم الزعماء الباقين في مواقعهم حتى الان من هذه الصورة؟
٢- من هم الزعماء الذين خُلعوا من مناصبهم تحت الضغط الشعبي؟
٣- كم سيدة كانت بين ال ١٤٩ شخصا في الصورة ومن هن؟
٤- اشهر الراحلين (مثلا فيدل كاسترو وعرفات في الصورة)؟
٢٥ يوليو — انتهي من تحرير السيرة الذاتية لصديقة عظيمة تبدأ في نهاية الثلاثينيات وتنتهي هذا العام. وجعلتني هذه المهمة اقرأ كثيرا عن تاريخ الحركة النسائية والنسوية المصرية التي كنت جاهلا بها بشدة (الان اعاني من مجرد جهل نسبي) ومن بين الكثيرات اللاتي انبهرت بهن على اختلافهن وخلافاتهن كانت الرائعة درية شفيق. وهذا هو الهامش الذي انتهيت من وضعه في الكتاب:
درية شفيق (1908-1975) مناضلة نسوية ومدافعة عن حقوق المرأة في مصر، عملت بالصحافة واسست مجلة “بنت النيل”، حصلت على الدكتوراه من جامعة السوربون في باريس في 1940 في بعثة على نفقة الدولة. رفضت جامعة القاهرة تعيينها بسبب آرائها الليبرالية بينما طردتها هدى شعراوي من الاتحاد النسائي المصري بسبب مواقفها العلنية ودسائس داخلية. وفي فبراير 1951 قادت مظاهرة برفقة 1500 امرأة اقتحمت بها مقر مجلس النواب (البرلمان)، للضغط من اجل حق المرأة في الترشيح والتصويت. بعد نهاية الملكية طلبت من حكومة الضباط الاحرار تحويل اتحاد بنت النيل إلى حزب سياسي ليصير أول حزب نسائي سياسي في مصر. وفي 1954 اثناء إعداد دستور جديد، احتجت لعدم وجود امرأة واحدة بين أعضاء اللجنة، وأضربت عن الطعام عشرة أيام، ووعدها الرئيس محمد نجيب أن الدستور المصري الجديد سيكفل حقوق المرأة، وفعلا ضمن الدستور حقها في التصويت والترشح في الانتخابات العامة لأول مرة. واعتصمت درية شفيق بالسفارة الهندية في إضراب عن الطعام سنة 1957 مطالبة بإصلاحات ديمقراطية، فوضعها عبد الناصر رهن الإقامة الجبرية في منزلها في الزمالك ثلاث سنوات وتهاوت كل مشاريعها، وظلت في منزلها منعزلة حتى 1975 عندما القت بنفسها من شرفتها في الطابق السادس لتلقى مصرعها.
٢٥ يوليو — “في الدكتاتوريات يبدو كل شيء على ما يرام، حتى الربع الأخير من الساعة الأخيرة” — على حد وصف الفيلسوفة حنة أرنت كما ذكرني صديق اليوم.
٢٤ يوليو — #جبور_الدويهي من الروائيين العرب القلائل الذين ابهرتني كل اعمالهم التي قرأتها واعتقد ان “شريد المنازل” و “مطر حزيران” وحي الاميركان” من ابدع الروايات العربية الانسانية قاطبة. سيبقى جبور الذي تصادقنا افتراضيا من الطف وارق من عرفت من الكتاب وسيظل بيننا دوما حيا بأعماله لكل محبي الادب وان لم يحمل هذا اي عزاء لأصدقائه الكثيرين المفجوعين بوفاته التي ستترك فراغا كبيرا للعديدين في بيروت المعذبة.
٩ يوليو — “تاريخ موجز للخليفة وشرق القاهرة” هي أفضل رواية كتبها شادي لويس وهي عندي أفضل ما قرأت عن معاناة المرأة في الطبقة الوسطى المصرية وعن أثر هذا النفسي على الأطفال.
ورغم ان عائلة البطل الراوي الطفل عائلة قبطية فان الرواية ليست عن مسيحيي مصر، وهي مثلها مثل رواية شادي الأولي، “طرق الرب”، يُحمد لها انها تطبّع خيال القراء المصريين من غير المسيحيين مع الحياة اليومية لأقباط مصر، حياة “عادية” لا تختلف عن حياة ومعاناة نظرائهم المسلمين سوى في تفاصيل ثانوية. لا شك ان هذه التفاصيل الثانوية تصير محورية عندما يصبح الاقباط هدفا للاضطهاد والحرق والقتل وهو استهداف مستمر كما نري مخلفات الحريق طبقة بعد الأخرى في حوش الكنيسة والطفل يحفر في تربتها بيديه، بينما ينتظر خروج أمه من زيارة قسيس تشكو له ضرب زوجها الوحشي فيتخلص منها القسيس قائلا ان عنوان بيتها يتبع كنيسة أخرى! ستتذكر مأساة الخوف المقيم والاستسلام عند الاقباط عندما يمر في أحد صفحات الرواية مبنى كنسي تركه المسؤولون عنه يعاني اثار الحريق دون ترميم لان هذا قد يردع مهووس اخر عن حرقه (“عشان مفيش حد هيبقى عايز يحرق حاجة محروقة أصلا”.)
رغم كل هذه التفاصيل التي تتهادى في طبيعية ودون زعيق في صفحات الرواية الا انها – مرة أخرى – ليست رواية عن المسيحيين المصريين بل رواية بالدرجة الأولى عن حياة امرأة مصرية من الطبقة الوسطى الدنيا يضربها زوجها ويهينها بانتظام وكيف ولماذا ترضى بهذا وكيف تقاومه وكيف تحقق انتصاراتها الصغيرة وتتعايش مع هزائمها الدفينة شبه الحتمية. رواية تجعلك غاضبا من كل هذا العنف أحيانا وفاهما لمصدره الوضيع الماثل في حياتنا احيانا اخري ومتلبسا مشاعر الطفل بالغضب والعجز والعار وصوت ارتطام رأس أمه بجدران المنزل – إذ يدفعها ابوه مرة تلو الأخرى – يتردد في رأسه.
وبهذا المعنى فهي رواية ربما رأي عديد مننا ممن كبروا في الثمانينيات والتسعينيات في مصر الطبقة الوسطى الدنيا، في عين شمس والمطرية وفي المنصورة والمنيا وغيرهم، بعض شخصياتها من حوله وربما قريبة له للغاية، واختبر بعض مشاعرهم التي تمتزج فيها أحلام مجهضة بواقع تهرسه بلدوزرات الحكومة فعليا. تكاد شوارع واحياء طفولتي وشبابي وسلوك اهاليها وملابسهم وعنفهم ضد بعضهم البعض وضد الحيوانات والطبيعة (حتى يصير كلهم ضحايا ومعتدين في نفس الوقت) تقفز كلها امامي من الرواية فتذكرني بخبرات شخصية. وأزعم ان اخرين كثيرين سيتولد لديهم نفس الشعور. فمن منا لم يمر بهذا المشهد المفزع لام تضرب ابنها التائه بقسوة بعد ان وجدته وتبكي في نفس الوقت وتصرخ “ليه كدة تعمل فيا كدة يا حبيبي؟”
ما ينجح شادي في تحقيقه هو انه بالرغم من كل هذه القتامة فانه يبرع أيضا في تصوير لحظات الفرح المختلسة والبهجة الحقيقية والتحدي والتجاوز والنزوات … والأمل! وكما قال شادي على لسان الطفل قاص الرواية: “يفهم المرء طفولته أكثر بعد أن يضحي بالغا، بعد ان يدفن الصبي الصغير الذي كان، ويتحول مع الأيام إلى شخص أخر، فراشة لا تشبه صورتها تخرج من الشرنقة بعد ان دفنت الدودة نفسها حية داخلها.”
شكرا ل Shady Lewis Botros ولناشره دار العين للنشر – ElAin Publishing وللناشرة Fatma Elboudy على هذه الرواية البديعة. وادعو من سيقرأها ألا يتقاعس كما فعلت بعد قراءة عدة صفحات ويترك الكتاب جانبا مرة ومرتين. لم تشدني الرواية ثم تسيطر عليّ تماما حتى وصلت للصفحة الثلاثين قرب نهاية الفصل الأول، وبعدها دخلت عالمها السحري الحزين والمبهر في نفس الوقت حتي نهايتها في صفحة ١٨٢.
٥ يوليو — اهنأ والطف عقد في حياتي هو الحالي وانا في الخمسينيات، احصد ما زرعت بحلوه ومره، بما نجحت فيه وما فشلت به، واعرف ماذا ازرع الان وكيف ازرعه واعرف ما الذي اجهله وما الذي سأستمر في الجهل به قاصدا او عاجزا، اعرف من احب وما احب وما اتحاشى وما اكره، وتصالحت مع الحياة عموما سوى امر واحد ينغص عليّ وهو ان هذا العقد هو ايضا تلك الفترة من حياة الواحد التي يرحل فيها معظم الاصدقاء والاحباء من الجيل الاكبر، وبات من المتعيّن عقد المصالحة الوحيدة المتبقية .. مع الموت، موت من نحب، وموتنا.
٢٩ يونيو — +١٨ واحيانا +٣٤
تحذير: هذه الحكاية حقيقية وقمت بتغييرات بسيطة لطمس الجنسيات والشخصيات والأماكن
بدأت حكاية “برغي النص” في الساعة الواحدة والنصف صباحا عندما دق جرس تليفون صديقي الطبيب بلا توقف حتى أستيقظ ليرد على المستشفي. لم يكن مسجلا في قائمة اطباء الطوارئ ولم يفهم عندما ابلغه الطبيب المناوب ان عائلة مريض يعاني من اثار جلطة في المخ تطلب حضوره فورا. قال للمناوب انه ليس متخصصا في هذه المسألة وذكره بانه طبيب عظام، فشدد المناوب الشاب انهم طلبوا طبيب عظام تحديدا، فانزعج صديقي وقال له ان يهاتف طبيب الاعصاب ويتركه في حاله وسيرى المريض في الصباح. بعد عشر دقائق رن الهاتف مرة اخرى وكانت عائلة المريض تلك المرة وهي تصرخ وتتوعد بانها وصلت من بلدها فجر اليوم خصوصا لعلاج كبير العائلة في هذه المستشفي وان الوالد طلب ان يراه طبيب عظام على الفور.
فسدت ليلة صديقي على اي حال ولم يكن يريد لأصحاب المستشفي الخاص الذي يعمل فيه ان يتضرروا بسبب عائلة هذا المريض العجوز صاحب النفوذ. وهكذا وصل لغرفة المريض السبعيني الذي أشار لأبنائه الثلاثة ضخام الجثث بالخروج من الغرفة. كان جانبه الايسر ثقيلا في الحركة من اثر الجلطة فطمأنه صديقي بعد فحص سريع ان الجلطة قد ذابت وفقا للتقارير وسيحتاج الامر علاجا طبيعيا ليتمكن من السير بشكل افضل خلال اسابيع او شهور. فنظر الرجل اليه بكل استياء وقال: “لا احتاج ان اسير فلدي من يحملني حيثما اردت ولا ان استعمل ذراعي الايسر فلدي ممن يخدموني العشرات، لكن أبغي تصلح لي برغي النص فورا.”
ارتبك صديقي ولم يفهم اي “مسمار” او “برغي” واي منتصف يتحدث عنه الرجل. ملّ العجوز حيرة الطبيب فقال: “بدي الحصان يرجع ينط ويقوم، شوف لي برغي النص.” ظل صديقي محتارا حتي اشار الرجل لعضوه الذكري صارخا: “الا تفهم: عمود الخيمة، برغي النص، حصاني ما بيقف صار له اسبوع.”
فهم صديقي فيما بعد ان الرجل كان قد عقد قرانه على عروس الصيف (اعتقد يسمونه زواج المسيار) وهي شابة في العشرين ولكن ذكره لم ينتصب في لقائهما الأول وبعده. وربما أُصيب بالجلطة بسبب ادوية تناولها لتقوية حصانه المسكين وحمله اهله لاهم مستشفي في عاصمة البلد المجاور لاستكمال علاجه.
وعاد صديقي لمنزله قرب الفجر وأجنابه تكاد تنفجر من الضحك بعد حوار مع طبيب امراض تناسلية في المستشفي كان يعرف الحالة.ربما اعتقد المريض ان هناك عظمة يتعين اصلاحها داخل “حصانه”!
ربما يتوقف هوس الرجال في مصر ومنطقتنا (واماكن اخري عشان الناس اللي ح تقولي ان المشكلة موجودة في تكساس وبنجلاديش) بما ترتديه المرأة وبتحويل جسدها لساحة صراع بشأن ما يجب ان تلبس وما يجب ان تخلع واين ولماذا، إذا انصلحت علاقتهم بالجنس وبأجساد النساء وبأجسادهم هم أنفسهم. وسيبدأ هذا الصلاح عندما نقوم بتفكيك هوس الرجال المرضي ب “برغي النص” والحديث بصراحة وعلانية أكبر عن الجنس، صراحة يمكن أن تبدأ بان نسمي هذا الشي باسمه وليس “برغي النص”.
٢٩ يونيو — قال كم لبثتم في الارض؟
بعد ان تجولت عشرين دقيقة في الموقع وهو واحد من عدة مواقع تدعي ان اهل الكهف التاريخيين كانوا فيها انشقت الارض عن حارس امن طلب مني وانا خارج عدم الدخول للمكان دون ارتداء زي شرعي! قلت له انني وانا واقف يغطي الشورت حتى ما قبل ركبتي بسنتيمتر واحد فرفض وعرض علي ارتداء عباءة وفهمت انه يخشى انني عندما ارفع رجلي ينكشف المزيد من لحمي ولكني كنت خارجا ولا اريد تغطية مفاصل ركبتي في هذه الشمس اللطيفة فانصرفت وقلت اضيف صورتين لجسدي المتضعضع المنتهك للقواعد!
٢١ يونيو — في بلادنا تتناسب سطوة اجهزة الامن والعدالة عكسيا مع الامن والعدل وطرديا مع استقرار الوضع القائم بنخبته، بمليونيراته، برجالته، بمؤسساته …. وكل المؤسسات تعمل تحت شعار الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح وهارد لك لو اتخنقت جوة من قلة الاوكسيجين، وكله يهون عشان خاطر البلد.
٢٠ يونيو — انتهيت من قراءة سيرة إيهاب حسن (١٩٢٥-٢٠١٥) الذاتية “الخروج من مصر” و “يوميات وجيه غالي” (١٩٣٠-١٩٦٩) الذي خرج ايضا من مصر وكلاهما لم يعد لها مطلقا منذ خرجا منها.
الأول صار ناقدا ما بعد حداثيا مهما واستاذا جامعيا في الولايات المتحدة وعنوّن كتابه باسم بلد كان من الواضح انه لا يحبه ولا يريد العودة له ولم يكن يعيش فيه حقا حتى عندما عاش فيه سنوات طفولته ومراهقته وصدر شبابه حتى رحل لجامعة بنسلفانيا ليدرس الماجستير في الهندسة الكهربائية في عام ١٩٤٦. ويبدو ان البيت الذي عاش فيه فيه اخر سنواته القاهرية كان مجاورا لسراي محمد محمود خليل التي صارت متحفا لمقتنياته الفنية قرب فندق شيراتون القاهرة الآن. “الخروج من مصر” عن الذكريات والخروج من وطن كان يلفظ امثال حسن عن باطل وعن حق، عن مصر متخيلة ولا تجمعها سوى تناتيف في وعي ولا وعي حسن.
الكتاب شظايا ومراوحة في الزمان، كُتب بالانجليزية في مطلع الثمانينيات ونُشر في ١٩٨٦ ثم ترجمه السيد أمام للعربية بتمكن واضح ونشرته دار العين للنشر – ElAin Publishing سنة 2018. يصف ايهاب كتابه بانه “شذرات … زلّات للذاكرة، بقايا استبصار …مجادلات ومحاجَّات، يجري تذكرها (جمع اعضائها المبعثرة) مثل عظام اوزوريس”. والكتابة بها قليل من السرد والحكي ولكنها حكايا رغم قلها وقصرها مدلة ومهمة. وبالكتاب كثير من التأمل واستطرادات نقدية ادبية في كتاب قصير (١٩٤ صفحة من القطع الصغير) دون اي ميلودراما أو حنين ولكن بقدر لا بأس به من الشجن والاضطراب وحواديت طفولة مرهقة ومعذبة.
تأمل مثلا حكاية الوصيف (الخادم) المرتدي زيا رسميا وهو يتحسس حزامه ذي المحبس النحاسي قبل ان يدفع خادمة شابة داخل حجرة في منزل الاسرة البرجوازية الضخم قبل ان تتعالي صرخاتها (يضربها أم يغتصبها ام الاثنين؟) أو عم، وزير للداخلية، بسنة ذهبية تبرق؛ اجبر خادمته على ابتلاع مرقة الفاصوليا المغلية امام ١٢ ضيفا لأنها قدمت الشوربة للضيوف في غير موعدها في ترتيب أصناف الاكل، أو خال مجنون كان يعدو عريانا ذات يوم وأمرأته تجري ورائه تحمل سكين المطبخ وضفائرها الذهبية محلولة وهي تصرخ “سوف اقطع بتاعه” (تقصد ذكره).
ولا يعرف حسن كيف يتحدث عن مصر “نظرا إلى انني كنت برغم أي شيء غريبا: لقد اعتاد صغار المتسولين في وطني الأم على تعقبي صائحين، “بقشيش يا خواجة، بقشيش.”
قارن هذا بكتاب السيرة الذاتية لامرأة عاشت نفس الفترة وهي لطيفة الزيات التي ولدت قبل حسن بعامين فقط. (“أوراق شخصية” من منشورات Al-Karma Publishers دار الكرمة.)
عاش الاثنان في المنصورة في نفس الفترة في الثلاثينيات حيث تصف لطيفة بحرقة وانتباه وشعور “بالعجز والأسى والقهر” المظاهرات الشعبية المؤيدة للوفد والمنادية بالاستقلال وكيف بكت “ورصاص البوليس يردي ١٤ قتيلا متظاهرا” في شارع العباسي المتعامد على النيل وهي تطل من شرفة بيتها وتشعر بغضب شديد. تصف لطيفة وهي أيضا من عائلة موسرة علاقاتها بمن حولها من أهل البلد ونشاطها السياسي وازواجها واضطراباتها العاطفية وتحولات الزمن على بيت أهلها وجدودها في دمياط، بينما يبدو حسن دائما غريبا وخارج المكان او سائحا مثلما يصف ذكرياته عن المنصورة واقاليم أخرى في الدلتا والصعيد عاش فيها مع ابيه مدير المديرية (المحافظ.) !
يصف حسن، مثلا، المنصورة بانها كانت تعج بالاحتجاجات الطلابية التي وصفها بانها “أذى خالص وشيئا من الهزل … استراحة كرنفالية من الدراسات القمعية …” ويصل لنفس المشهد المحفور في ذاكرة لطيفة فيقول: “جاب مصطفى النحاس المنصورة وسط بحر هائج من الجلاليب الهادرة، اجتاحت الحشود الميادين والشوارع تحطم النوافذ وترشق الشرطة بالحجارة والقاذورات … وأخيرا وقعت المواجهة الدامية التي بذل أبي قصاري جهده لتفاديها … وسرعان ما برزت البنادق واطلقت النيران فوق رؤوس الحشود المتماوجة ثم على اقدامهم وكانت الحصيلة في نهاية اليوم ستة قتلى، بينهم أربعة من الطلبة … في ذلك اليوم المشؤوم انقسم ولائي بين أبي واعدائه وبعد ذلك بثلاث سنوات اصبح النحاس باشا رئيسا لوزراء مصر وأُجبر أبي على الاستقالة. ومن ذلك الوقت فصاعدا أقمنا في القاهرة في “ظروف معيشة لا تتناسب مع وضعن الاجتماعي” كما كان يحلو لأمي ان تقول.” ثم يصف حسن شقتهم المؤلفة من سبع حجرات في الطابق الثاني من فيلا تطل على النيل بالقرب من كوبري الجلاء ويمكن ان يرى منها شرفات فندق سمير اميس القديم عبر النيل وخلفها مآذن جامع محمد علي، وقرب البيت مقهي كانت تغني فيه ام كلثوم أحيانا!
ربما صارت لطيفة ما صارته لأنها في نهاية المطاف اهتمت بالعمل العام والسياسية بحق من منطلق يساري ووطني اختلط بالقومية بينما حسن كان دائما غارقا في ذاته واقرب لاحتقار السياسة حتي انه كان يشارك في مظاهرات في الجامعة اثناء دراسة الهندسة وهو لا يعرف لماذا قامت المظاهرة. في النهاية صار الاثنان من نقاد الادب المهمين عالميا ومحليا والفت لطيفة اعمالا أدبية بينما كان حسن يسعى لتأليف رواية لا اعتقد انه انتهي منها.
ولكن ما علاقة وجيه غالي الذي انتحر في لندن في يناير ١٩٦٩ وألف رواية شهيرة وممتازة بالانجليزية هي “البيرة في نادي البلياردو” بكل هذا؟ (للرواية ترجمة ممتازة من شغل ايمان مرسال وريم الريس عن Dar El Shorouk – دار الشروق ) أعتقد ان وجيه ينتمي بشكل ما لنفس طبقة وعالم إيهاب حسن الذي كان يتحلل في نهايات الاربعينيات في العالم القديم في منطقتنا وفي مصر ثم انهار تماما مع نهاية الاستعمار وسقوط الملكيات القديمة وبداية عالم جديد (صار قديما الان). لكن على عكس حسن المتحفظ المقل في وصف مشاعره وعلاقاته بالأخرين فان وجيه يحكي في تلك اليوميات (وربما لانها يوميات سطرها في أخر أربع سنوات من حياته بعد عجزه عن الكتابة الأدبية المستمرة عقب صدور وانتشار روايته الأولى والأخيرة البيوجرافية الطابع) عن انهياره البطيء وعلاقاته الجنسية المُحبِطة والمحبَطة وايغاله في السكر ومعاناته المستمرة من الاكتئاب. كان وجيه خلاقا ومبدعا وأكثر اتقادا عاطفيا كما تقدم لنا اليوميات (المرهقة للغاية لحد الملل في قراءتها الا للمتخصصين في علم النفس ربما والمهتمين بالنقد الادبي) ولكنه اناني ونرجسي، بينما حسن بارد ومحايد وبيده سكين نافذة تقتطع شذرات نافذة في عمق ما يجري حوله لكن دون مسعى للربط بينها باي شكل درامي واضح او متصاعد! (“يوميات وجيه غالي” من إعداد وتحرير مي حواس باقتدار واضح وترجمة مبهرة من محمد الدخاخني ونشر الكتب خان.)
كلها كتب تستحق القراءة وكلها شهادة على أهمية اليوميات والمذكرات والسير الذاتية المتعوب عليها في التعرف على تاريخنا وتاريخ الناس، على اضطرابات النفس والمجتمع والسياسة والتجاوز والنجاح والفشل والولادة والموت ودور الذاكرة في كل هذا.
قرأت هذه الكتب وكثيرين غيرها من وضع مصريين في القرن العشرين (منهم مثلا رشدي سعيد وسيد عويس ولويس عوض وانجي افلاطون وزكي نجيب محمود وعصمت سيف الدولة وكثيرين اخرين) لغرض مهني حيث أعمل مع صديقة عزيزة ولدت بعد وجيه وايهاب بسنوات قليلة من اجل وضع سيرتها الذاتية، ولكن هذا موضوع اخر.
١٨ يونيو — من عدة سنوات وأنا أحاول إقناع نفسي بالمغامرة والقفز لصفحات ثلاثية #نجيب_محفوظ احتفالا بمرور مائة عام على وقوع احداثها التي تُفتتح مع بدايات الحرب العالمية الأولي ثم تصعد بحق مع ثورة ١٩١٩ حتى تنتهي اواخر الاربعينيات. وطبعا الثلاثية المحفوظية زيها زي كتب كتيرة مشهورة الواحد لم يقرأها لأسباب مختلفة، وعادة يتكسف يقول انه لم يقرأها!
المهم في اخر اسبوعين قفزت ثم أدمنت حتى انتهيت من بتاع ١٤٠٠ صفحة اللي همه مجموع “بين القصرين” و “قصر الشوق” و “السكرية” وصار اخيرا مرجعي الى شخصيات الثلاثية الضخمة هذه روايات محفوظ وشخصياتها المكتوبة وليس ممثلي افلام حسن الامام ولو اني افكر في صلاح قابيل عندما اقرأ عن فهمي وسذاجته وفي نور الشريف عندما اقرأ عن كمال وخيبته وفي امال زايد عندما اطالع شخصية امينة التي اشعر ان قرونا تفصل بيني وبينها، وطبعا في يحيي شاهين عندما اراقب السيد احمد عبد الجواد يخطر بعنفوانه ويمسح على شاربيه قبل ان يتخفف من ملابسه ويمسك الدف ويغني ويرقص ويسكر وهو يفكر في اقناع زنوبة بالنوم معه والتخلي عن خالتها!
محفوظ سهل القراءة وسهل اللغة واحيانا يبقى مدرسي شويتين، فهناك مثلا لكل نمط وايديولوجية ممثل بين الشخصيات عشان نقابل الاخواني والشيوعي والوجودي والقبطي وابن الاغنياء وبنت الفقراء لكن كحواديت وقصة حاجة مسلية الا لو كان ايقاع الحياة السريع وافلام نيتفليكس المتلاحقة افقدتك القدرة على التركيز والاستمتاع بالبطء.
لطيف ومفيد ومسلي إنك تخش شوية ورا الشخصيات وتفكر في العقد النفسية عند المسكين كمال وفي المزج المذهل بين الدين والاخلاق والسلوك الشخصي عند ناس زي عبد الرحيم باشا عيسى (السياسي المثلي وخصوصا في جلسة وداعه لندمائه الشباب قبل ان يذهب في رحلة الحج وهم يتحدثون في تهتك وقوافي يبرع فيها محفوظ) او السيد احمد عبد الجواد نفسه (الاب القاسي الصارم المحافظ اللي بناته ما تشربش القهوة لكنه استأجر عوامة لعشيقته العوادة اللي نامت مع كل اصحابه وبعدين اتجوزت ابنه هو ذات نفسه بعد عدة سنوات.)
الشخصيات الرئيسية كلها رجالة وخصوصا رجالة فيها شبه من محفوظ شوية بعربدته ومحافظته واهتمامه بالفلسفة ولكن بالحياة اكثر والنكات والقافية ونشأته الخ. المهتم اكتر ح يتمتع بقراءة الكتب الكتير المكتوبة عن محفوظ واخرها، واهمها لهذا النوع من تتبع حياة الاديب ومصادره الادبية دون ولع بالتنظير النقدي الذي يهم متخصصين، كتب محمد شعير وخاصة “البدايات والنهايات”. وللمهتمين بالنقد اكثر يرجعوا لطن الكتب عن محفوظ في شغل رجاء النقاش وابراهيم فتحي وغيرهم … ولغير المهتمين بالنقد فكتب محفوظ المتأخرة عن سيرته الذاتية والتي ساهم فيها اخرون مهمة ومفيدة.
اللي شدني اكثر في الثلاثية كان حاجتين مش شبه بعض.
الاولانية كانت تفاصيل ومشاعر وعلاقات بشر هذا العالم كله على بعضه والذي انتهى تماما من مصر، هذا العالم القديم الذي انتهى بمخاوفه وآماله، باستعماره وباحلام الاستقلال، بايدولوجياته الضخمة الواعدة وحياته البطيئة الوادعة، ببلدوزر العالم الجديد يهرس العالم القديم ويدفنه في بئر العفاريت في فناء منزل بين القصرين ببطء ولا مبالاة. وده عشان انا مهتم بالتاريخ وما ورثناه منه.
والحاجة التانية هي وصف وتأمل أثار مرور الزمن على الناس وتطور علاقتهم بالاهل والاصدقاء والجنس والحب والموت، ومحفوظ وشخصياته بيقدموا امثلة كتيرة عن كل هذه المواضيع بشكل مركب للغاية وتخلي الواحد يفكر في الاسئلة الكبيرة اللي ساعات تبقى ساذجة بس دايما تفضل مهمة او فارضة نفسها ومحتاجة تتكسر او تتجاوب او يتفاعل معها الواحد عاطفيا والا صار مثل كمال!
وعشان الحاجة الاولانية، الثلاثية مهمة للي عايز يعرف اكثر عالم ما بين الحربين وثورة ١٩١٩ في مصر والشعور السائد عند الطبقات الوسطى قبل انقلاب ١٩٥٢. وعشان الحاجة التانية، الثلاثية ممكن تفضل رواية كلاسيكية عظيمة الواحد يقراها ويتسلى بيها ويتعلم منها ويحب ويكره حاجات فيها وشخصيات منها رغم مرور بتاع ٦٥ سنة على نشرها.
واليكم مقتطفات من حوار السيد عبد الجواد مع السلطانة زبيدة وهو يسعى لاقناعها بان ترافقه وتصبح عشيقته، وكان قد ابلغ الخادم عند دخول المنزل انه جاء للاتفاق مع السيدة صاحبة فرقة الراقصات والغناء من اجل احياء ليلة:
“- فرح ام ختان؟
فقال السيد باسما:
– لك ما تشائين!
– عندك مختون أم عروس؟
– عندي كل شئ.
..
– نحن في خدمتك على كل حال
..
– عظم الله قدرك، بيد أنني ما زلت مصرا على أن أترك لك الاختيار!
..
– إني أفضل أفراح العرايس بطبيعة الحال!
– ولكني رجل متزوج ولا حاجة بي إلى زفة من جديد!
فصاحت به:
– يالك من رجل مهزار .. إذن ليكن ختانا.
– ليكن ..
وتساءلت وهي تحاذر:
– وليدك؟
– أنا ….
..
– يالك من رجل قارح، لو طالتك يدي لقصمت ظهرك
فنهض السيد واقبل عليها قائلا:
– لا أحرمتك رغبة قط.
وجلس بجانبها فهمت بضربه ولكنها ترددت ثم أمسكت، فسألها بقلق:
– لماذا لم تتكرمي بضربي؟
فهزت رأسها وقالت ساخرة:
– أخاف أن أنقض وضوئي.
فتساءل في لهفة:
– أأطمع في أن نصلي معا؟
..
فتساءلت في دلال ساخر:
– أتعني يا صاحب الفضيلة، الصلاة التي هي خير من النوم؟
– بل الصلاة التي هي والنوم سواء
– يالك من رجل مظهره الوقار والتقوى وباطنه الخلاعة والفجور، الآن صدقت حقا ما قيل لي عنك.
..
– وماذا قيل؟! اللهم اكفنا شر القيل والقال.
– قالوا لي أنك زير نساء وعبد شراب
فتنهد بصوت مسموع يذيع به ارتياحه وقال:
– حسبته ذما والعياذ بالله.
– ألم أقل لك إنك رجل قارح فاجر!؟
– هي الشهادة لي بأني حزت القبول ان شاء الله.
(بين القصرين، طبعة دار الشروق، ص. ١٠٥-١٠٧)
١٦ يونيو — هذه قصة واجبة القراءة عن بنت قرية كحك في الفيوم، رانيا رشوان، التي خلعت النقاب فضربها رجال من القرية علنا بعد ان كان بعضهم قد عرض عليها زواج المسيار سرا. شكرا ل Eman Adel على القصة اللي ممكن تقراها على الرابط اللي تحت. كثير ممن يعملون في المجال الحقوقي ويتذكرون مصر نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات سيتذكرون القرية التي عاملها الامن بقسوة شديدة عام ١٩٩٠ وقتل زعيم جماعة اسلامية متطرفة فيها يُدعي شوقي الشيخ وعدد من اتباعه (الناس دي كانت بتكفر الشيخ عمر عبد الرحمن ذات نفسه يعني كانوا السلف الطالح بتاع الدواعش). المهم الامن قتل شوية “شوقيين”وحل محلهم ناس تانيين سلفلف وظراف من اللي بيأيدوا الدولة طالما سايباهم يطلعوا عين الستات والشباب ويسيطروا وكدة. غلب الغلب.
رابط القصة https://daraj.com/73950/?utm_source=whatsapp…
١٥ يونيو — وطلب وكيل النيابة من صديقه المدرس ان يعرفه على بيوت الدعارة الامنة في القاهرة لأنه كان مقيد الحرية ويتخفى عندما يسعى خلف متعته اثناء عمله في الصعيد، ثم تواعدا على لقاء. وبعد هذا المشهد انتقل المؤلف لشخصيات اخرى في روايته الضخمة. فكرت بعد قراءة هذا الفصل في “السكرية” انه لو كان نجيب محفوظ قد نشرها الآن لربما تمت جرجرته في المحاكم بتهمة الاساءة للقضاة ناهيك طبعا عن الافكار والمواقف الاخرى غير المقبولة في الثلاثية والتي كان المحامي بعير صبري واخرون سيغضبون منها بشدة ويرفعون ضدها الدعاوى دفاعا عن “الشرف والمبادئ والقيم”.
١٥ يونيو — جنة المدخن الساخنة!!!! (مع النار والاجنحة والتاتو والكعب العالي .. محتاجة آندي وارهول.)!
٧ يونيو — شاهدت اليوم فيلما تسجيليا مهما انتجته بي بي سي في عام ٢٠١٥ عن ذكريات جنود اسرائيليين حاربوا في ١٩٦٧. “اصوات تحت الرقابة” او Censored Voices فيلم طوله تسعين دقيقة تقريبا يعتمد على تسجيلات قام بها الروائي عاموس عوز والصحفي افراهام شابيرا بعد اسابيع من نهاية الحرب منذ ٥٤ سنة مع عدد كبير من الجنود الاسرائيليين.
الفيلم يستحق المشاهدة لاسباب عديدة منها انه يقدم رواية مختلفة اقرب للحقيقة عما رآه الجنود وشعور بعضهم بالعار بشأن ما قاموا به من اعمال وحشية وكيف كانوا يرون الحرب التي نالت قدرا هائلا من التمجيد والفخر الوطني في الدولة العبرية. وهذا رابط الفيلم
واعترف عدد من الاسرائيليين بقتل جنود مصريين عزل ومدنيين سوريين وجرحي كانوا كلهم لا يمثلون أي تهديد. بل وشبه أحدهم ما فعلوه بالعرب في قرى الضفة الغربية بانه كان مثل الهولوكوست، وحكي آخر كيف اقتادوا الاف المدنيين لسيارات نقل بعد ان هددوهم بان كل قراهم سيجري قصفها. وعندما قال جندي لأم زميل له قُتل في الحرب ان تضحيته لم تضع سدى لانها ساهمت في اننا “حررنا القدس واستعدنا حائط المبكى” ردت عليه الأم الثكلي ان الحائط هذا لا يساوي ظفر ابنها. ويتنبأ جندي اخر بان اسرائيل ستستمر في قصف هذه القرى كل عدة سنوات “لاغراض دفاعية”. ويعترف جنود اسرائيليون في الفيلم انهم صاروا قوة احتلال ولم يعودوا الشعب الحر الذي يتغنون به في النشيد الوطني بل ان القدس صارت مدينة محتلة.
انتبهت للفيلم بعد قراءة مقالة عظيمة للمؤرخ Khaled Fahmy عن أصل الفيلم وعن الحواديت الاسرائيلية بعد الحرب. واوضح خالد ان الفيلم يعتمد على كتاب “حديث الجنود” الذي اصدره عوز وشابيرا في أكتوبر ١٩٦٧ وفيه تجميع لشهادات ١٤٠ جنديا يتحدثون عن وقائع الحرب البشعة وعن الخوف ومواجهة الموت والاعتياد على مرآى الجثث وعلى القتل دون تفكير. واستعملت مخرجة الفيلم مور لوشي وهي اسرائيلية من مواليد ١٩٨٢ تسجيلات من ال ٢٨٠ ساعة التي جمعها الكاتبان ولم يستعملا قرابة سبعين في المائة منها بسبب الرقابة العسكرية الاسرائيلية. ويشير الجنود في هذه التسجيلات (وظهر بعضهم وقد شاخ وطعن في السن يستمعون لما قالوه في لقطات من فيلم لوشي) إلي أن التعليمات التي تلقوها في بداية العمليات العسكرية افادت بضرورة الهجوم على الجيش المصري بغرض تدميره وألا يظهروا أي رحمة بأعدائهم.
وهذا رابط مقالة خالد https://khaledfahmy.org/ar/2018/12/29/حرب-الأيام-الستة-فزع-الإبادة-وغطرسة-ال/
الفيلم مهم لفهم جزء من حقيقة ما جرى في ١٩٦٧ وخاصة مع احتوائه على لقطات تسجيلية عديدة مما حدث في سيناء والضفة الغربية والجولان والقدس (ارفق بعض الصور الصادمة لمشهد قتلى واسري ولاجئين في نهاية البوست). الفيلم يؤنسن الجندي الاسرائيلي ولكنه في عمقه يكشف التحدي الذي تواجهه اسرائيل والذي عمقته حرب ١٩٦٧ وجعلت ذلك البلد في النهاية دولة ابارتهايد او فصل وسيطرة عنصرية، دولة حلم جناحاها اليساري والليبرالي فترة بحل هذا التناقض عن طريق دولة فلسطينية منتقصة السيادة في اطار اتفاقات اوسلو ولكن هذا ايضا فشل لأسباب عديدة.
لقد صارت اسرائيل الان اسيرة “نصرها” في ١٩٦٧ مثلما صارت الدول العربية المشرقية كلها رهائن لهذا “النصر” وإن كانت الاثمان التي يدفعها ودفعها الفلسطينيون اضعاف اضعاف ما دفعه اليهود الاسرائيليون، وهي اثمان ناتجة ليست عن سياسات الاسرائيليين فحسب ولكن ايضا عن فشل نخبهم الحاكمة من القاهرة وحتى بغداد ومن دمشق وحتى الرياض، بل وتواطؤ قطاع لا يستهان به من هذه النخب مع اليمين الاسرائيلي، تواطؤ لم يعد حتى يتخفى تحت ستار اتصالات سرية وتجاور الترتيبات امنية والمبادلات تجارية ليصبح في بعض الاحيان اقرب للشراكة الاستراتيجية.
الحقيقة مهمة وهي اهم من الاناشيد الوطنية والتواريخ الرسمية والمظلوميات التبريرية والقاء المسؤولية دائما على عاتق الاخر في نظريات المؤامرة. وكما جاء على لسان السيد المسيح: “وتعرفون الحقيقة، والحقيقة تحرركم.”وهذا رابط للاجزاء المحدثة من دراستي عن حرب ١٩٦٧ مركزا على الجانب المصري. https://khaledmansour.org/category/مقالات-دراسات/حرب١٩٦٧/